بحياة حياة على التشبيه، فأما نفس الإثبات فمحض الحقيقة، لأنه إثبات لما ضرب الحياة مثلا له فعلا لله تعالى، لا حقيقة أحقّ من ذلك.

وقد يتصوّر أن يدخل المجاز الجملة من الطريقين جميعا. وذلك أن يشبّه معنى بمعنى وصفة بصفة، فيستعار لهذه اسم تلك، ثم تثبت فعلا لما لا يصحّ الفعل منه، أو فعل تلك الصفة، فيكون أيضا في كل واحد من الإثبات والمثبت مجاز، كقول الرجل لصاحبه: «أحيتني رؤيتك»، يريد: آنستني وسرّتني ونحوه، فقد جعل الأنس والمسرّة الحاصلة بالرؤية حياة أوّلا، ثم جعل الرؤية فاعلة لتلك الحياة.

وشبيه به قول المتنبي (?): [من الطويل]

وتحيي له المال الصّوارم والقنا … ويقتل ما يحيي التّبسّم والجدا

جعل الزيادة والوفور حياة في المال، وتفريقه في العطاء قتلا، ثم أثبت الحياة فعلا للصوارم، والقتل فعلا للتبسم، مع العلم بأنّ الفعل لا يصحّ منهما. ونوع منه:

«أهلك النّاس الدينار والدرهم»، جعل الفتنة هلاكا على المجاز، ثم أثبت الهلاك فعلا للدينار والدرهم، وليسا مما يفعلان، فاعرفه.

وإذ قد تبيّن لك المنهاج في الفرق بين دخول المجاز في الإثبات، وبين دخوله في المثبت، وبين أن ينتظمهما عرفت

الصورة في الجميع، فاعلم أنه إذا وقع في الإثبات فهو متلقى من العقل، وإذا عرض في المثبت فهو متلقّى من اللغة، فإن طلبت الحجّة على صحة هذه الدّعوى، فإنّ فيما قدّمت من القول ما يبيّنها لك، ويختصر لك الطريق إلى معرفتها.

وذلك أن الإثبات إذا كان من شرطه أن يقيّد مرّتين كقولك: «إثبات شيء لشيء»، ولزم من ذلك أن لا يحصل إلا بالجملة التي هي تأليف بين حديث ومحدّث عنه، ومسند ومسند إليه، علمت أن مأخذه العقل، وأنه القاضي فيه دون اللغة، لأن اللغة لم تأت لتحكم بحكم أو لتثبت وتنفى، وتنقض وتبرم. فالحكم بأن الضّرب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015