وأما الضرب الآخر: وهو الذي منصوبه مفعول به، فإنك تثبت فيه المعنى الذي اشتقّ منه فعل فعلا للشيء، كإثباتك الضرب لنفسك في قولك: «ضربت زيدا»، فلا يتصوّر أن يلحق الإثبات مفعوله، لأنه إذا كان مفعولا به، ولم يكن فعلا لك، استحال أن تثبته فعلا، وإثباته وصفا أبعد في الإحالة.
فأما قولنا في نحو: «ضربت زيدا»، إنك أثبتّ زيدا مضروبا، فإنّ ذلك يرجع إلى أنك تثبت الضرب واقعا به منك، فأمّا أن تثبت ذات زيد لك، فلا يتصوّر، لأن الإثبات كما مضى لا بدّ له من جهة، ولا جهة هاهنا. وهكذا إذا قلت: «أحيا الله زيدا»، كنت في هذا الكلام مثبتا الحياة فعلا لله تعالى في زيد، فأما ذات زيد، فلم تثبتها فعلا لله بهذا الكلام، وإنما يتأتّى لك ذلك بكلام آخر، نحو أن تقول: «خلق الله زيدا» و «وأوجده» وما شاكله، مما لا يشتقّ من معنى خاصّ كالحياة والموت ونحوهما من المعاني.
وإذ قد تقرّرت هذه المسائل، فينبغي أن تعلم أن من حقك إذا أردت أن تقضي في الجملة بمجاز أو حقيقة، أن تنظر
إليها من جهتين:
إحداهما: أن تنظر إلى ما وقع بها من الإثبات، أهو في حقه وموضعه، أم قد زال عن الموضع الذي ينبغي أن يكون فيه؟
والثانية: أن تنظر إلى المعنى المثبت أعني: ما وقع عليه الإثبات كالحياة في قولك: «أحيا الله زيدا»، والشيب في قولك: «أشاب الله رأسي»، أثابت هو على الحقيقة، أم قد عدل به عنها؟
وإذا مثّل لك دخول المجاز على الجملة من الطريقين، عرفت ثباتها على الحقيقة منهما.
فمثال ما دخله المجاز من جهة الإثبات دون المثبت قوله (?): [من الطويل]
وشيّب أيّام الفراق مفارقي … وأنشزن نفسي فوق حيث تكون