الطّيب ثم قال: «الكفّ هاهنا بمعنى: السلطان والملك والقدرة، قال: وقيل الكف هاهنا بمعنى: النعمة». والخبر هو ما رواه أبو هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أحدكم إذا تصدّق بالتمرة من الطّيّب- ولا يقبل الله إلّا
الطيب- جعل الله ذلك في كفّه، فيربّيها كما يربّي أحدكم فلوّه (?) حتى يبلغ بالتمرة مثل أحد»، ما يظنّ بمن نظر في العربية يوما أن يتوهّم أن «الكفّ» يكون على هذا الإطلاق، وعلى الانفراد، بمعنى السلطان والقدرة والنعمة، ولكنه أراد المثل فأساء العبارة، إلّا أنّ من سوء العبارة ما أثر التقصير فيه أظهر، وضرره على الكلام أبين.
واستقصاء هذا الباب لا يتمّ حتى يفرد بكلام، والوجه الرجوع إلى الغرض.
ويجب أن تعلم قبل ذلك أنّ خلاف من خالف في «اليد» و «اليمين»، وسائر ما هو مجاز لا من طريق التشبيه الصريح أو التمثيل، لا يقدح فيما قدّمت من حدّث الحقيقة والمجاز، لأنه لا يخرج في خلافه عن واحد من الاعتبارين، فمتى جعل «اليمين» على انفرادها تفيد القوة، فقد جعلها حقيقة، وأغناها عن أن تستند في دلالتها إلى شيء وإن اعترف بضرب من الحاجة إلى الجارحة والنظر إليها، فقد وافق في أنها مجاز. وكذا القياس في الباب كله، فاعرفه.
والذي ينبغي أن يذكر الآن: حدّ الجملة في الحقيقة والمجاز، إلّا أنك تحتاج أن تعرف في صدر القول عليها ومقدّمته أصلا، وهو المعنى الذي من أجله اختصّت الفائدة بالجملة، ولم يجز حصولها بالكلمة الواحدة، كالاسم الواحد، والفعل من غير اسم يضمّ إليه. والعلّة في ذلك أن مدار الفائدة في الحقيقة على الإثبات والنفي، ألا ترى أن «الخبر» أوّل معاني الكلام وأقدمها، والذي تستند سائر المعاني إليه وتترتّب عليه؟ وهو ينقسم إلى هذين الحكمين. وإذا ثبت ذلك، فإن الإثبات يقتضي مثبتا ومثبتا له، نحو أنك إذا قلت «ضرب زيد» أو «زيد ضارب»، فقد أثبتّ الضرب فعلا أو وصفا لزيد وكذلك النفي يقتضي منفيّا ومنفيّا عنه، فإذا قلت: «ما ضرب زيد» و «ما زيد ضارب»، فقد نفيت الضرب عن زيد وأخرجته عن أن يكون فعلا له. فلما