فحيّوا ما بدا لكم، فإنّي … شديد الفرس للضغن الحرون
يعاني فقدكم أسد مدلّ … شديد الأسر يضبث باليمين
لكانوا أعذر فيه، لأن المدح مدح بالقوة والشدة. وعلى ذلك فإنّ اعتبار الأصل الذي قدّمت، وهو أنك لا ترى «اليمين» حيث لا معنى لليد، يقف بنا على الظاهر، كأنه قال: إذا ضبث ضبث باليمين.
ومما يبيّن موضع بيت الشمّاخ، إذا اعتبرت به، قول الخنساء (?): [من المتقارب]
إذا القوم مدّوا بأيديهم … إلى المجد مدّ إليه يدا
فنال الذي فوق أيديهم … من المجد، ثم مضى مصعدا
إذا رجعت إلى نفسك، لم تجد فرقا بين أن يمدّ إلى المجد يدا، وبين أن يتلقّى رايته باليمين. وهذا إن أردت الحقّ أبين من أن تحتاج فيه إلى فضل قول. إلّا أنّ هذا الضرب من الغلط، كالداء الدّويّ، حقّه أن يستقصى في الكيّ عليه والعلاج منه، فجنايته على معاني ما شرف من الكلام عظيمة، وهو مادّة للمتكلفين في التأويلات البعيدة والأقوال الشّنيعة.
ومثل من توقّف في التفات هذه الأسامي إلى معانيها الأوّل، وظنّ أنها مقطوعة عنها قطعا يرفع الصلة بينها وبين ما جازت إليه، مثل من إذا نظر في قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ [ق: 37]، فرأى المعنى على الفهم والعقل 1 أخذه ساذجا وقبله غفلا، وقال: «القلب، هاهنا بمعنى: العقل» وترك أن يأخذه من جهته، ويدخل إلى المعنى من طريق المثل فيقول: «إنّه حين لم ينتفع بقلبه، ولم يفهم بعد أن كان القلب للفهم، جعل كأنه قد عدم القلب جملة وخلع من صدره خلعا، كما جعل الذي لا يعي الحكمة ولا يعمل الفكر فيما تدركه عينه وتسمعه