إلى الأشعار التي أثنوا عليها من جهة الألفاظ، ووصفوها بالسلامة، ونسبوها إلى الدّماثة، وقالوا: كأنّها الماء جريانا، والهواء لطفا، والرياض حسنا، وكأنها النّسيم، وكأنها الرّحيق مزاجها التّسنيم، وكأنها الديباج الخسروانيّ في مرامي الأبصار، ووشي اليمن منشورا على أذرع التّجار، كقوله: [من الطويل]
ولمّا قضينا من منى كلّ حاجة … ومسّح بالأركان من هو ماسح
وشدّت على دهم المهارى رحالنا … ولم ينظر الغادي الّذي هو رائح
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا … وسالت بأعناق المطيّ الأباطح (?)
ثم راجع فكرتك، واشحذ بصيرتك، وأحسن التأمّل، ودع عنك التجوّز في الرأي، ثم انظر هل تجد لاستحسانهم وحمدهم وثنائهم ومدحهم منصرفا، إلّا إلى استعارة وقعت موقعها، وأصابت غرضها، أو حسن ترتيب تكامل معه
البيان حتى وصل المعنى إلى القلب مع وصول اللفظ إلى السمع، واستقرّ في الفهم مع وقوع العبارة في الأذن، وإلا إلى سلامة الكلام من الحشو غير المفيد، والفضل الذي هو كالزيادة في التحديد، وشيء داخل المعاني المقصودة مداخلة الطفيليّ الذي يستثقل مكانه، والأجنبيّ الذي يكره حضوره، وسلامته من التقصير الذي يفتقر معه السامع إلى تطلّب زيادة بقيت في نفس المتكلم، فلم يدلّ عليها بلفظها الخاصّ بها، واعتمد دليل حال غير مفصح، أو نيابة مذكور ليس لتلك النّيابة بمستصلح.
وذلك أن أوّل ما يتلقّاك من محاسن هذا الشعر أنه قال:
ولمّا قضينا من منى كلّ حاجة فعبّر عن قضاء المناسك بأجمعها والخروج من فروضها وسننها، من طريق أمكنه أن يقصّر معه اللفظ، وهو طريقة العموم، ثم نبّه بقوله: