ولمّا كان كذلك، كان قصد التشبيه من هذا النحو بيّنا لائحا، وكائنا من مقتضى الكلام، وواجبا من حيث موضوعه، حتى إن لم يحمل عليه كان محالا.
فالشيء الواحد لا يكون رجلا وأسدا، وإما يكون رجلا وبصفة الأسد فيما يرجع إلى غرائز النفوس والأخلاق، أو خصوص في الهيئة كالكراهة في الوجه. وليس كذلك الأول، لأنه يحتمل الحمل على الظّاهر على الصحة، فلست بممنوع من أن تقول «عنّت لنا ظبية»، وأنت تريد الحيوان و «طلعت شمس»، وأنت تريد الشّمس، كقولك: «طلعت اليوم شمس حارّة» وكذلك تقول: «هززت على الأعداء سيفا» وأنت تريد السيف، كما تقوله وأنت تريد رجلا باسلا استعنت به، أو رأيا ماضيا وفّقت فيه، وأصبت به من العدوّ فأرهبته وأثّرت فيه.
وإذا كان الأمر كذلك، وجب أن يفصل بين القسمين، فيسمّى الأوّل:
«استعارة» على الإطلاق، ويقال في الثاني إنه: «تشبيه». فأما تسمية الأول تشبيها فغير ممنوع ولا غريب، إلّا أنه على أنك تخبر عن الغرض وتنبئ عن مضمون الحال، فأمّا أن يكون موضوع الكلام وظاهره موجبا له صريحا،
فلا.
فإن قلت: فكذلك قولك: «هو أسد»، ليس في ظاهره تشبيه، لأن التشبيه يحصل بذكر الكاف أو «مثل» أو نحوهما.
فالجواب أن الأمر وإن كان كذلك، فإنّ موضوعه من حيث الصّورة يوجب قصدك التشبيه، لاستحالة أن يكون له معنى وهو على ظاهره.
وله مثال من طريق العادة، وهو أنّ مثل الاسم مثل الهيئة التي يستدلّ بها على الأجناس، كزيّ الملوك وزيّ السّوقة، فكما أنك لو خلعت من الرجل أثواب السوقة، ونفيت عنه كل شيء يختصّ بالسوقة، وألبسته زيّ الملوك، فأبديته للناس في صورة الملوك حتى يتوهّموه ملكا، وحتى لا يصلوا إلى معرفة حاله إلا بإخبار أو اختبار واستدلال من غير الظاهر، كنت قد أعرته هيئة الملك وزيّه على الحقيقة. ولو أنك ألقيت عليه بعض ما يلبسه الملك من غير أن تعرّيه من المعاني التي تدل على كونه سوقة، لم تكن قد أعرته بالحقيقة هيئة الملك، لأن المقصود من هيئة الملك أن يحصل بها المهابة في النفس، وأن يتوهّم العظمة، ولا يحصل ذلك مع وجود الأوصاف الدالّة على أن الرجل سوقة.
افرض هذه الموازنة في الشيء الواحد، كالثوب الواحد يعاره الرجل فيلبسه على ثوبه أو منفردا، وإنما اعتبر الهيئة وهي تحصل بمجموع أشياء، وذلك أن الهيئة