عاد بك الأمر إلى أن تتصوّره تصوّر العين الواحدة دون الجنس، كان ضمّ أبي الفرزدق إليه بمنزلة ضمّك إلى الشمس رجلا أو امرأة تريد أن تبالغ في وصفهما بأوصاف الشمس، وتنزيلهما منزلتها، كما تجده في نحو قوله (?): [من البسيط]
فليت طالعة الشّمسين غائبة … وليت غائبة الشّمسين لم تغب
اعلم أن الاسم إذا قصد إجراؤه على غير ما هو له لمشابهة بينهما، كان ذلك على ما مضى من الوجهين:
أحدهما: أن تسقط ذكر المشبّه من البين، حتى لا يعلم من ظاهر الحال أنك أردته، وذلك أن تقول: «عنّت لنا ظبية»،
وأنت تريد امرأة، و «وردنا برا»، وأنت تريد الممدوح. فأنت في هذا النحو من الكلام إنّما تعرف أن المتكلم لم يرد ما الاسم موضوع له في أصل اللغة، بدليل الحال، أو إفصاح المقال بعد السؤال، أو بفحوى الكلام وما يتلوه من الأوصاف.
مثال ذلك أنك إذا سمعت قوله (?): [من البسيط]
ترنّح الشّرب واغتالت حلومهم … شمس ترجّل فيهم ثم ترتحل
استدللت بذكر الشّرب، واغتيال الحلوم، والارتحال، أنه أراد قينة. ولو قال:
«ترجلت شمس»، ولم يذكر شيئا غيره من أحوال الآدميين، لم يعقل قطّ أنه أراد امرأة إلا بإخبار مستأنف، أو شاهد آخر من الشواهد.
ولذلك تجد الشيء يلتبس منه حتّى على أهل المعرفة، كما روى أن عديّ بن حاتم اشتبه عليه المراد بلفظ الخيط في قوله تعالى: