النعمة إنما عمّت لأنها شمس، ولكن أراك لعمومها وشمولها قياسا، وتحرّى أن يكون ذلك القياس من شيء شريف له بالنعمة شبه من جهة أوصافه الخاصّة، فاختار الشمس. وكذلك لم يرد ابن أبي عيينة أن يقول إنها إنما دنت ونأت لأنها شمس، أو لأنها الشمس، بل قاس أمرها في ذلك كما عرّفتك.
وأمّا العبّاس فإنه قال: إنها إنما كانت بحيث لا تنال، ووجب اليأس من الوصول إليها، لأجل أنها الشمس، فاعرفه فرقا واضحا.
ومما هو على طريقة بيت العبّاس في الاحتجاج، وإن خالفه فيما أذكره لك، قول الصابئ في بعض الوزراء يهنّئه بالتخلّص من الاستتار (?): [من الخفيف]
صحّ أنّ الوزير بدر منير … إذ توارى كما توارى البدور
غاب، لا غاب، ثمّ عاد كما كا … ن على الأفق طالعا يستنير
لا تسلني عن الوزير فقد بيّ … نت بالوصف أنه سابور
لا خلا منه صدر دست، إذا ما … قرّ فيه تقرّ منه الصدور
فهو كما نراه يحتجّ أن لا مجاز في البين، وأنّ ذكر البدر وتسمية الممدوح به حقيقة، واحتجاجه صريح لقوله: «صح» أنه كذلك. وأما احتجاج العبّاس وصاحبه في قوله: «قد زرّ أزراره على القمر»، فعلى طريق الفحوى. فهذا وجه الموافقة، وأما وجه المخالفة، فهو أنّهما ادّعيا الشّمس والقمر بأنفسهما، وادّعى الصابئ بدرا، لا البدر على الإطلاق.
ومن ادّعاه الشمس على الإطلاق قول بشّار (?): [من الوافر]
بعثت بذكرها شعري … وقدّمت الهوى شركا
فلمّا شاقها قولي … وشبّ الحبّ فاحتنكا
أتتني الشمس زائرة … ولم تك تبرح الفلكا
وجدت العيش في سعدى … وكان العيش قد هلكا
فقوله: «ولم تك تبرح الفلكا»، يريك أنه ادّعى الشمس نفسها.
وقال أشجع يرثي الرشيد، فبدأ بالتعريف، ثم نكّر فخلط إحدى الطريقتين بالأخرى، وذلك قوله: [من الرمل]