وذلك أنك تتوهم قبل أن يرد عليك آخر الكلمة كالميم من «عواصم» والباء من «قواضب»، أنها هي التي مضت، وقد أرادت أن تجيئك ثانية، وتعود إليك مؤكّدة، حتى إذا تمكن في نفسك تمامها، ووعى سمعك آخرها، انصرفت
عن ظنّك الأول، وزلت عن الذي سبق من التخيّل، وفي ذلك ما ذكرت لك من طلوع الفائدة بعد أن يخالطك اليأس منها، وحصول الربح بعد أن تغالط فيه حتى ترى أنه رأس المال.
فأما ما يقع التجانس فيه على العكس من هذا، وذلك أن تختلف الكلمات من أوّلها كقول البحتري: [من الخفيف]
بسيوف إيماضها أوجال … للأعادي ووقعها آجال (?)
وكذا قول المتأخر: [من الطويل]
وكم سبقت منه إليّ عوارف … ثنائي من تلك العوارف وارف
وكم غرر من برّه ولطائف … لشكري على تلك اللّطائف طائف
وذلك أنّ زيادة «عوارف» على «وارف» بحرف اختلاف من مبدأ الكلمة في الجملة، فإنه لا يبعد كلّ البعد عن اعتراض طرف من هذا التخيّل فيه، وإن كان لا يقوى تلك القوة، كأنك ترى أن اللفظة أعيدت عليك مبدلا من بعض حروفها غيره أو محذوفا منها. ويبقى في تتبّع هذا الموضع كلام حقّه غير هذا الفصل وذلك حيث يوضع.
فالذي يجب عليه الاعتماد في هذا الفنّ، أن التوهّم على ضربين: ضرب يستحكم حتى يبلغ أن يصير اعتقادا.
وضرب لا يبلغ ذلك المبلغ، ولكنه شيء يجري في الخاطر، وأنت تعرف ذلك وتتصور وزنه إذا نظرت إلى الفرق بين الشيئين يشتبهان الشبه التامّ؛ والشيئين يشبه أحدهما بالآخر على ضرب من التقريب، فاعرفه.
وأما «الحشو» فإنما كره وذمّ وأنكر وردّ، لأنه خلا من الفائدة، ولم يحل منه