اعلم أن الحكم على الشاعر بأنه أخذ من غيره وسرق، واقتدى بمن تقدّم وسبق، لا يخلو من أن يكون في المعنى صريحا، أو في صيغة تتعلق بالعبارة. ويجب أن نتكلم أوّلا على المعاني، وهي تنقسم أوّلا قسمين: عقليّ وتخييليّ، وكل واحد منهما يتنوّع. فالذي هو «العقلي» على أنواع:
أوّلها: عقليّ صحيح مجراه في الشعر والكتابة والبيان والخطابة، مجرى الأدلّة التي تستنبطها العقلاء، والفوائد
التي تثيرها الحكماء، ولذلك تجد الأكثر من هذا الجنس منتزعا من أحاديث النبي صلّى الله عليه وسلّم وكلام الصحابة رضي الله عنهم، ومنقولا من آثار السلف الذين شأنهم الصدق، وقصدهم الحقّ، أو ترى له أصلا في الأمثال القديمة والحكم المأثورة عن القدماء، فقوله: [من الطويل]
وما الحسب الموروث لا درّ درّه … بمحتسب إلّا بآخر مكتسب (?)
ونظائره، كقوله: [من الطويل]
إنّي وإن كنت ابن سيّد عامر … وفي السّرّ منها والصّريح المهذّب
لما سوّدتني عامر عن وراثة … أبى الله أن أسمو بأمّ ولا أب (?)
معنى صريح محض يشهد له العقل بالصحة، ويعطيه من نفسه أكرم النّسبة، وتتفق العقلاء على الأخذ به، والحكم بموجبه، في كل جيل وأمّة، ويوجد له أصل