النهار، بعد أن يضرب المثل بإدراك النهار له، وكان الظاهر أن يمثّل بإدراك الليل الذي إقباله منتظر، وطريانه على النهار متوقّع، فكأنّه قال وهو في صدر النهار أو آخره: «لو سرت عنك لم أجد مكانا يقيني الطلب منك، ولكان إدراكك لي وإن بعدت واجبا، كإدراك هذا الليل المقبل في عقب نهاري هذا إيّاي، ووصوله إلى أيّ موضع بلغت من الأرض».
وهاهنا شيء آخر: وهو أنّ تشبيه «النعمة» في البيت بالشمس، وإن كان من حيث الغرض الخاصّ، وهو الدّلالة على العموم، فكان الشّبه الآخر من كونها مؤنسة للقلوب، وملبسة العالم البهجة والبهاء كما تفعل الشمس، حاصلا على سبيل العرض، وبضرب من التطفّل. فإنّ تجريد التشبيه لهذا الوجه الذي هو الآن تابع، وجعله أصلا ومقصودا على الانفراد، مألوف معروف كقولنا: «نعمتك شمس طالعة»، وليس كذلك الحكم في «الليل»، لأن تجريده لوصف الممدوح بالسّخط مستكره، حتى لو قلت: «أنت في حال السخط ليل وفي الرّضى نهار»، فكافحت هكذا تجعله ليلا لسخطه، لم يحسن، وإنما الواجب أن تقول: «النهار ليل على من تغضب عليه، والليل نهار على من ترضى عنه، وزمان عدوّك ليل كله، وأوقات وليّك نهار كلها»، كما قال: [من الكامل]
أيّامنا مصقولة أطرافها … بك، واللّيالي كلّها أسحار (?)
وقد يقول الرجل لمحبوبه: «أنت ليلي ونهاري»، أي: بك تضيء لي الدنيا وتظلم، فإذا رضيت فدهري نهار، وإذا غضبت فليل كما تقول: «أنت دائي ودوائي، وبرئي وسقامي»، ولا تكاد تجد أحدا يقول: «أنت ليل»، على معنى أن سخطك تظلم به الدنيا، لأن هذه العبارة بالذمّ، وبالوصف بالظلمة وسواد الجلد، وتجهّم الوجه، أخصّ، وبأن يراد بها أخلق، وهذا المعنى منها إلى القلب أسبق، فاعرفه.