وإذا قد تقرّرت هذه الجملة، فإذا كان الشبه بين المستعار منه والمستعار له من المحسوس والغرائز والطّباع وما يجري مجراها من الأوصاف المعروفة، كان حقّها أن يقال إنها تتضمّن التشبيه، ولا يقال إنّ فيها تمثيلا وضرب مثل. وإذا كان الشّبه عقليا جاز إطلاق التمثيل فيها، وأن يقال: ضرب الاسم مثلا لكذا، كقولنا: «ضرب النور مثلا للقرآن»، و «الحياة مثلا للعلم».
فقد حصلنا من هذه الجملة على أن المستعير يعمد إلى نقل اللفظ عن أصله في اللغة إلى غيره، ويجوز به مكانه
الأصليّ إلى مكان آخر، لأجل الأغراض التي ذكرنا من التشبيه والمبالغة والاختصار، والضّارب للمثل لا يفعل ذلك ولا يقصده، ولكنه يقصد إلى تقرير الشّبه بين الشيئين من الوجه الذي مضى. ثم إن وقع في أثناء ما يعقد به المثل من الجملة والجملتين والثلاث لفظة منقولة عن أصلها في اللغة، فذاك شيء لم يعتمده من جهة المثل الذي هو ضاربه. وهكذا كان متعاط لتشبيه صريح، لا يكون نقل اللفظ من شأنه ولا من مقتضى غرضه. فإذا قلت: «زيد كالأسد»، و «هذا الخبر كالشمس في الشهرة»، و «له رأي كالسّيف في المضاء»، لم يكن منك نقل للفظ عن موضوعه. ولو كان الأمر على خلاف ذلك، لوجب أن لا يكون في الدنيا تشبيه إلا وهو مجاز، وهذا محال، لأن التشبيه معنى من المعاني وله حروف وأسماء تدلّ عليه، فإذا صرّح بذلك ما هو موضوع للدلالة عليه، كان الكلام حقيقة كالحكم في سائر المعاني، فاعرفه.
واعلم أن اللفظة المستعارة لا تخلو من أن تكون اسما أو فعلا، فإذا كانت اسما كان اسم جنس أو صفة. فإذا كان اسم جنس فإنك تراه في أكثر الأحوال التي تنقل فيها محتملا متكفّئا بين أن يكون للأصل، وبين أن يكون للفرع الذي من شأنه أن ينقل إليه. فإذا قلت: «رأيت أسدا»، صلح هذا الكلام لأن تريد به أنك رأيت واحدا من جنس السّبع المعلوم، وجاز أن تريد أنك رأيت شجاعا باسلا شديد الجرأة، وإنما يفصل لك أحد الغرضين من الآخر شاهد الحال، وما يتّصل به من الكلام من قبل وبعد.
وإن كان فعلا أو صفة، كان فيهما هذا الاحتمال في بعض الأحوال، وذلك إذا أسندت الفعل وأجريت الصفة على اسم مبهم يقع على ما يكون أصلا في تلك الصفة وذاك الفعل، وما يكون فرعا فيهما، نحو أن تقول: «أنار لي شيء» و «هذا شيء منير». فهذا الكلام يحتمل أن يكون «أنار» و «منير» فيه واقعين على الحقيقة، بأن تعني بالشيء بعض الأجسام ذوات النور وأن يكونا واقعين على المجاز، بأن تريد