تشبيه يفخّم به أمره، وجهته الساحرة أنه يوقع المبالغة في نفسك من حيث لا تشعر، ويفيدكها من غير أن يظهر ادّعاؤه لها، لأنه وضع كلامه وضع من يقيس على أصل متّفق عليه، ويزجّي الخبر عن أمر مسلّم لا حاجة فيه إلى دعوى ولا إشفاق من خلاف مخالف وإنكار منكر، وتجهّم معترض، وتهكّم قائل: «لم؟»، و «من أين لك ذلك؟».

والمعاني إذا وردت على النّفس هذا المورد، كان لها ضرب من السّرور خاصّ وحدث بها من الفرح عجيب، فكانت كالنعمة لم تكدرها المنّة، والصّنيعة لم ينغّصها اعتداد المصطنع لها.

وفي هذا الموضع شبيه بالنكتة التي ذكرتها في التجنيس، لأنك في الموضعين تنال الربح في صورة رأس المال، وترى الفائدة قد ملأت يدك من حيث حسبتها قد جازتك وأخلتك، وتجد على الجملة الوجود من حيث توهمّت العدم.

ولطيفة أخرى، وهو أن من شأن المدح إذا ورد على العاقل أن يقفه بين أمرين يصعب الجمع بينهما وتوفية حقّهما: معرفة حقّ المادح على ما احتشد له من تزيينه، وقصده من تفخيم شأنه في عيون الناس بالإصغاء إليه والارتياح له، والدّلالة بالبشر والطلاقة على حسن موقعه عنده وملك النفس حتى لا يغلبها السرور عليه، ويخرج بها إلى العجب المذموم وإلى أن يقول: «أنا»، فيقع في ضعة الكبر من حيث لا يشعر، ويظهر عليه من أمارته ما يذمّ لأجله ويحقّر، فما كبر أحد في نفسه إلّا غان الكبر على عقله، وفسخ عقدة من حلمه. وهذا موقف تزلّ فيه الأقدام، بل تخفّ عنده الحلوم، حتى لا يسلم من خدع النفس هناك إلا أفراد الرجال، وإلا من أدام التوفيق صحبته، ومن أين ذلك وأنّى! فإذا كان المدح على صورة قوله: «وجه الخليفة حين يمتدح»، خفّ عنه الشطر من تكاليف هذه الخصلة.

وإذ قد تبيّن كيف يكون جعل الفرع أصلا، والأصل فرعا في التشبيه الصريح، فارجع إلى «التمثيل»، وانظر هل

تجيء فيه هذه الطريقة على هذه السّعة والقوة؟ ثم تأمّل ما حمل من «التمثيل» عليها كيف حكمه؟ وهل هو مساو لما رأيت في التشبيه الصريح، وحاذ حذوه على التحقيق، أم الحال على خلاف ذلك؟

والمثال فيما جاد من التمثيل مردودا فيه الفرع إلى موضع الأصل، والأصل إلى محلّ الفرع، قوله (?): [من الخفيف]

وكأنّ النّجوم بين دجاه … سنن لاح بينهنّ ابتداع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015