ليل يصيح بجانبيه نهار وأشدّ من ذلك أن يجيء «كما» في الطّرف الثاني كقوله:

كما احمرّت من الخجل الخدود وبيت امرئ القيس على خلاف هذه الطريقة، لأن أحد الشيئين فيه في الطرفين معطوف على الآخر، أما في طرف الخبر، وهو طرف المشبّه به، فبيّن وهو قوله:

العنّاب والحشف البالي وأما في طرف المخبر عنه، وهو المشبّه، فإنك وإن كنت ترى اسما واحدا، هو «القلوب»، فإن الجمع الذي تفيده الصيغة في المتفق يجري مجرى العطف في المختلف، فاجتماع شيئين أو أشياء في لفظ

تثنية أو جمع، لا يوجب أن أحدهما في حكم التابع للآخر، كما يكون ذلك إذا جرى الثاني في صفة الأول أو حاله أو ما شابه ذلك. هذا وقد صرّح بالعطف في البدل، وهو المقصود فقال: «رطبا ويابسا».

واعلم أنه قد يجيء في هذا الباب شيء له حدّ آخر، وهو نحو قوله: [من الكامل]

إني وتزييني بمدحي معشرا … كمعلّق درّا على خنزير (?)

هو على الجملة جمع بين شيئين في عقد تشبيه، إلّا أن التشبيه في الحقيقة لأحدهما. ألا ترى أن المعنى على أنّ فعله في التزيين بالمدح، كفعل الآخر في محاولته أن يزيّن الخنزير بتعليق الدرّ عليه؟ ووجه الجمع أنّ كل واحد منهما يضع الزينة حيث لا يظهر لها أثر، لأن الشيء غير قابل للتحسين. ومتى كان المشبّه به «كمعلّق» في البيت، فلا شكّ أن التشبيه لا يرجع إلى ذات الشيء، بل المعنى المشتقّ منه الصفة. وإذا رجع إليه مقرونا بصلته على ما مضى في نحو «ما زال يفتل في الذّروة والغارب»، فقد شبّه تزيينه بالمدح من ليس من أهله، بتعليق الدّر على الخنزير هكذا بجملته، لا بالتعليق غير معدّى إلى الدّرّ والخنزير، فالشبه مأخوذ من مجموع المصدر وما في صلته. ولا بدّ للواو في هذا النحو أن تكون بمعنى «مع»، وأمرها فيه أبين، إذ لا يمكن أن يقال: «إنّي كذا وإنّ تزييني كذا»، لأنه ليس معنا شيئان يكون أحدهما خبرا عن ضمير المتكلم في «إني» الذي هو المعطوف عليه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015