وضيعته كذا»، فتفرّق الخبر عنهما كما يجوز في قولك: «زيد وعمرو كريمان»، أن تقول: «زيد كريم وعمرو كريم»، وهذا موضع غامض، وللكلام فيه موضع آخر.
وإن أردت أن تزداد تبيينا، لأن التشبيه إذا كان معقودا على الجمع دون التفريق، كان حال أحد الشيئين مع الآخر حال الشّيء في صلة الشيء وتابعا له ومبنيّا عليه، حتى لا يتصوّر إفراده بالذكر، فالذي يفضي بك إلى معرفة ذلك أنك تجد في هذا الباب ما إذا فرّق لم يصلح للتشبيه بوجه، كقوله: [من السريع]
كأنّما المرّيخ والمشتري … قدّامه، في شامخ الرّفعة
منصرف بالليل عن دعوة … قد أسرجت قدّامه شمعه (?)
لو قلت: «كأنّ المريخ منصرف بالليل عن دعوة»، وتركت حديث المشتري والشّمعة، كان خلفا من القول، وذاك أن
التشبيه لم يكن للمرّيخ من حيث هو نفسه، ولكن من حيث الحالة الحاصلة له من كون المشتري أمامه. وأنت وإن كنت تقول:
«المشتري شمعة»، على التشبيه العامي الساذج في قولهم: «كأنّ النّجوم مصابيح وشموع»، فإنه لم يضع التشبيه على هذا، وإنما قصد إلى الهيئة التي يكتسبها المرّيخ من كون المشتري أمامه.
وهكذا قول ابن المعتزّ (?): [من البسيط]
كأنّه وكأنّ الكأس في فمه … هلال أوّل شهر غاب في شفق
لم يقصد أن يشبه الكأس على الانفراد بالهلال، والشّفة بالشفق على الاستئناف، بل أراد أن يشبّه مجموع الصّورتين، ألا ترى أنك لو فرّقت لم تحل من التشبيه بطائل، إذ لا معنى لأن تقول: «كأن الشفة شفق»، وتسكت.
أترى أن قوله (?): [من الوافر]
بياض في جوانبه احمرار … كما احمرّت من الخجل الخدود