وذلك أنه لم يقصد إلى أن يجعل بين الشيئين اتصالا، وإنما أراد اجتماعا في مكان فقط. كيف؟ ولا يكون لمضامّة الرّطب من القلوب إلى اليابس هيئة يقصد ذكرها، أو يعنى بأمرها، كما يكون ذلك لتباشير الصّبح في أثناء الظلماء، وكون الشّقيقة على قامتها الخضراء، فيؤدّي ذلك الشبه الحاصل من مداخلة أحد المذكورين الآخر
واتّصاله به، اجتماع الحشف البالي والعنّاب. كيف؟ ولا فائدة لأن ترى العنّاب مع الحشف، أكثر من كونهما في مكان واحد، ولو أن اليابسة من القلوب كانت مجموعة ناحية، والرطبة كذلك في ناحية أخرى، لكان التشبيه بحاله.
وكذلك لو فرّقت التشبيه فقلت: «كأنّ الرّطب من القلوب عنّاب، وكأنّ اليابس حشف بال»، لم تر أحد التشبيهين موقوفا في الفائدة على الآخر، وليس كذلك الحكم في المركّبات التي تقدّمت.
وقد يكون في التشبيه المركّب ما إذا فضضت تركيبه وجدت أحد طرفيه يخرج عن أن يصلح تشبيها لما كان جاء في مقابلته مع التركيب بيان ذلك أن «الجلال» في قوله:
كطرف أشهب ملقى الجلال (?) في مقابلة الليل، وأنت لو قلت: «كأن الليل جلال» وسكتّ لم يكن شيئا.
وقد يكون الشيء منه إذا فضّ تركيبه استوى التشبيه في طرفيه، إلا أن الحال تتغير، ومثال ذلك قوله (?):
وكأن أجرام النّجوم لوامعا … درر نثرن على بساط أزرق
فأنت وإن كنت إذا قلت: «كأنّ النجوم درر، وكأن السماء بساط أزرق»، وجدت التشبيه مقبولا معتادا مع التفريق، فإنك تعلم بعد ما بين الحالتين، ومقدار الإحسان الذي يذهب من البين. وذلك أن المقصود من التشبيه أن يريك الهيئة التي تملأ النواظر عجبا وتستوقف العيون وتستنطق القلوب بذكر الله تعالى من طلوع النجوم مؤتلفة مفترقة في أديم السماء وهي زرقاء زرقتها الصافية التي تخدع العين، والنجوم تتلألأ وتبرق في أثناء تلك الزرقة، ومن لك بهذه الصورة إذا فرّقت التشبيه، وأزلت عنه الجمع والتركيب؟ وهذا أظهر من أن يخفى.