وقوله (?): [من البسيط]

يدي لمن شاء رهن لم يذق جرعا … من راحتيك درى ما الصّاب والعسل

ولو كان الجنس الذي يوصف من المعاني باللطافة ويعدّ في وسائط العقود، لا يحوجك إلى الفكر، ولا يحرّك من حرصك على طلبه، بمنع جانبه وببعض الإدلال عليك وإعطائك الوصل بعد الصدّ، والقرب بعد البعد، لكان «باقلّي حار» وبيت معنى هو عين القلادة وواسطة العقد واحدا، ولسقط تفاضل السامعين في الفهم والتصوّر والتبيين، وكان كلّ من روى الشعر عالما به، وكلّ من حفظه إذا كان يعرف اللغة على الجملة ناقدا في تمييز جيّده من رديئه، وكان قول من قال (?): [من الطويل]

زوامل للأشعار لا علم عندهم … بجيّدها إلا كعلم الأباعر

وكقول ابن الرومي (?): [من المنسرح]

قلت لمن قال لي: عرضت على الأ … خفش ما قلته فما حمده

قصّرت بالشعر حين تعرضه … على مبين العمى إذا انتقده

ما قال شعرا ولا رواه فلا … ثعلبه كان لا ولا أسده

فإن يقل: إنّني رويت، فكالدّف … تر جهلا بكلّ ما اعتقده

وما أشبه ذلك، دعوى غير مسموعة ولا مؤهّلة للقبول، فإنما أرادوا بقولهم:

«ما كان معناه إلى قلبك أسبق من لفظه إلى سمعك»، أن يجتهد المتكلم في ترتيب اللفظ وتهذيبه وصيانته من كل ما أخلّ بالدّلالة، وعاق دون الإبانة، ولم يريدوا أن خير الكلام ما كان غفلا مثل ما يتراجعه الصبيان ويتكلّم به العامّة في السوق.

هذا، وليس إذا كان الكلام في غاية البيان وعلى أبلغ ما يكون من الوضوح،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015