فالجواب: إن الأمر كما ذكرتَ، ولكنّي تتبّعتُ فيما وضعتُه ظاهرَ الحال، ونظرتُ إلى قولهم: موجود كالمعدوم، وشيءٌ كلا شيء، ووجود شبيه بالعدم، فإن أبيتَ أن تعمل على هذا الظاهر لم أضايق فيه، إلا أن من حَقّك أن تعلم أنه لا غِنَى بك عن حفظ الترتيب الذي رتَّبْتُه في إعطاء المعقول اسم معقول آخر أعني لا بدّ من أن تعلم أنه يجيء على طريقين: أحدهما: تنزيل الوجود منزلة العدم، كما مضى من أنّ جعل الموت عبارةً عن الجهل، وإيقاعُ اسمه عليه يرجع إلى تنزيل حياته الموجودة كأنها معدومة، والثاني: أن لا يكون هذا المعنى، ولكن على أنّ لأحد المعنيين شَبَهَاً من الآخر، نحو أن السؤال يُشبه، في كراهته وصُعوبته على نفس الحُرّ، الموتَ. واعلم أني ذكرت لك في تمثيل هذه الأصول الواضحَ الظاهرَ القريبَ المتناوَلِ الكائنَ من قَبِيل المتعارف في كل لسان، وما تجد اعترافاً به وموافقةً عليه من كل إنسان، أو ما يشابه هذا الحدَّ ويشاكله، ويداخل هذا الضَّرب ويشاركه، ولم أذكر ما يدِقُّ ويغمُض، ويلطُف ويَغْرُب، وما هو من الأسرار التي أثارتْها الصنعة، وغاصت عليها فكرة الأفراد من ذوي البراعة في الشِّعر، لأن القصد إذا كان لتمهيد الأساس، ووضع قواعد القياس، كان الأوْلى أن أعمدَ إلى ما هو أظهر وأجلى من الأمثلة، لتكون الحجةُ بها عامّة لا يصرف وجهها بحال، والشهادةُ تامةً لا تجد من السامعين غير قبول وإقبال، حتى إذا تمّهدَت القواعد، وأُحكمت العُرَى والمَعَاقد، أُخِذ حينئذ في تتبُّع ما اخترعته