إذا أكثر فيها من الوَشْم والنقش، وأُثْقل صاحِبُها بالحَلْي والوَشْي، قياسُ الحَلْي على السيف الدَّدَان، والتَوسُّعِ في الدعوى بغير بُرْهان، كما قال:
إذا لم تُشاهِدْ غَيْرَ حُسْن شِيَاتِهَا ... وَأَعْضَائها فالحُسْنُ عنك مُغَيَّبُ
وقد تجد في كلام المتأخرين الآنَ كلاماً حَمَل صاحبَه فرطُ شَغَفِه بأمورٍ ترجع إلى ما له اسم في البديع، إلى أن ينسى أنَّه يتكلم ليُفهِم، ويقول ليُبين، ويُخيَّل إليه أنه إذا جَمَعَ بين أقسام البديع في بيت فلا ضير أن يقع ما عَنَاهُ في عمياء، وأنْ يُوقع السامعَ من طَلَبه في خَبْطِ عَشْوَاءِ، وربَّمَا طَمَسَ بكثرة ما يتكلَّفه على المعنى وأفسده، كمن ثقَّل العروسَ بأصناف الحَلْي حتى ينالها من ذلك مكرُوهٌ في نفسها. فإن أردت أن تعرف مِثالاً فيما ذكرتُ لك، من أن العارفين بجواهر الكلام لا يعرِّجون على هذا الفنّ إلا بعد الثقة بسلامة المعنى وصحَّته، وإلا حيثُ يأمَنون جنايةً منه عليه، وانتقاصاً له وتعويقاً دونه، فانظر إلى خُطَب الجاحظ في أوائل كتبه هذا - والخُطبُ من شأنها أن يُعْتَمَد فيها الأوزانُ والأسجاعُ، فإنها تُرْوَى وتُتناقل تَنَاقُلَ الأشعار، ومحلُّها محلُّ النسيب والتشبيب