حتى يُنبئ عن مساواة ما في إحدى الكفتين ما في الأخرى، فكما لا يُتصور في تلك الصفة زيادةٌ ونقصان، حتى يكون كثيرُها مذموماً وقليلها محموداً، كذلك الحكم في الصِّفة التي تحصل للكلام بإجرائه على حكم النحو ووَزْنِهِ بميزان، فقول أبي بكر الخوارزمي: " والبُغْضُ عِنْدِي كثرةُ الإعراب " كلامٌ لا يُحصَل منه على طائل، لأنّ الإعراب لا يقع فيه قلة وكثرة، إن اعتبرنا الكلام الواحد والجملة الواحدة، وإن اعتبرنا الجُمُل الكثيرةَ وجعلنا إعراب هذه الجملة مضموماً إلى إعراب تلك، فهي الكثرة التي لا بدّ منها، ولا صلاح مع تركها، والخليقُ بالبُغْض مَنْ ذَمَّها وإن كان أراد نحو قول الفرزدق:
وَمَا مِثْلُه في النّاس إلاَّ مملَّكاً ... أبو أمِّه حيٌّ أبُوه يُقَارِبُهُ
وما كان من الكلام معقَّداً موضوعاً على التأويلات المتكلَّفة، فليس ذلك بكثرةٍ وزيادة في الإعراب، بل هو بأن يكون نَقْصاً له ونقضاً أولى، لأن الإعراب هو أن يُعرب المتكلم عما في نفسهُ ويبيّنه ويوضِّح الغرض ويكشفَ اللَّبْسَ، والواضعُ كلامه على المجازفة في التقديم والتأخير زائلٌ عن الإعراب، زائغٌ عن الصواب، متعرّض للتلبيس والتعمية، فكيف يكون ذلك كثرةً في الإعراب؟ إنما هو كثرة عناءٍ على من رام أن يردَّه إلى الإعراب، لا كثرة الإعراب،