فالقياس على النجوم في هذا ليس على حدِّ تشبيه المصابيح بالنجوم، أو النيران في الأماكن المتفرقة، لأن الشَّبَه هناك من حيث الحسُ والمشاهدة، لأن القصد إلى نفس الضوء واللَّمعان، والشَّبه ها هنا من حيث العَقْل، لأن القصد إلى مقتضَى ضَوْء النجوم وحُكْمه وعائدته، ثم ما فيها من الدلالة على المنهاج، والأمن من الزيغ عنه والاعوجاج، والوصول بهذه الجُملة منها إلى دار القرار ومحل الكرامة نسأل الله تعالى أن يرزقنا ذلك، ويُديم توفيقنا للزوم ذلك الاهتداء، والتصرف في هذا الضياء، إنه عزّ وجلّ وليُّ ذلك والقادر عليه، ومما لا يكون الشبه فيه إلا عقلياً، قولُنا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مِلْحُ الأنام، وهو مأخوذ من قوله عليه السلام: " مَثَلُ أصحابي كمثل الملح في الطَّعام، لا يصْلح الطَّعام إلا بالملح "، قالوا: فكان الحسن رحمة الله عليه يقول: فقد ذهب مِلْحُنا، فكيف نصنع؟، فأنت تعلم أنْ لا وجه ها هنا للتشبيه إلا من طريق الصُّورة العقلية، وهو أن الناس يصلُحُونَ بهم كما يصلُح الطعام بالملح، والشَّبهُ بين صلاح العامّة بالخاصّة وبين صلاح الطعام بالملح، لا يُتصوَّر أن يكون محسوساً، وينطوي هذا التشبيهُ على وجوب موالاةِ الصحابة رضي الله عنهم، وأن تُمْزَج محبَّتُهم بالقلوب والأرواح، كما يُمزَج الملح بالطعام، فباتِّحاده به ومداخلته لأجزائه يَطِيبُ طعمه، وتَذهب عنه وَخَامته، ويصير نافعاً مغذياً، كذلك بمحبّة الصحابة رضي الله عنهم تصلح الاعتقادات، وتنتفى عنها الأوصاف المذمومة، وتطيب وتغذو