اتّسعت اليد في البلد، وتقول: أَقتَني نعمةً، ولا تقول اقتني يداً، وأمثال ذلك تكثر إذا تأمّلت وإنما يقال: جلَّت يدُه عندي، وكُثرت أياديه لدَيَّ، فتعلم أن الأصل صنائعُ يده وفوائدُه الصادرةُ عن يده وآثارِ يده، ومحالٌ أن تكون اليد اسماً للنعمة هكذا على الإطلاق، ثم لا تقع موقع النعمة، لو جاز ذلك، لجاز أن يكون المترجم للنعمة باسم لها في لغة أخرى، واضعاً اسمَها من تلك اللغة في مواضعَ لا تقع النعمة فيها من لغة العرب، وذلك محالٌ. ونظير هذا قولهم في صفة راعي الإبل إّن له عليه إصبْعاً، أي أثراً َحسَناً، وأنشدوا:
ضَعِيفُ العَصَا بادي العروقِ ترى له ... عليها إذا ما أجدبَ الناسُ إصبَعَا
وأنشد شَيخنا رحمه اللَّه مع هذا البيت قولَ الآخر: " صُلْبُ العَصا بالضَّرب قد دَمَّاها " أي جعلها كالدُّمَى في الحُسن، وكأن قولَهُ صُلْب العَصا، وإن كان ضِدَّ قول الآخر ضَعيفُ العَصا، فإنهما يرجعان إلى غرض واحد، وهوحُسن الرِّعْية، والعملُ بما يُصلحها ويحسُنُ أثره عليها، فأراد الأول بجعله ضَعيف العصا أنه رفيقٌ بها مُشفقٌ عليها، لا يقصِد من حمل العصا أن يُوجعَها