اسرار البلاغه (صفحة 35)

قولك: شجاعاً شديداً، وترك أن يذكر الاسم الخاص في تلك اللغة بالأسد على هذه الصورة، لم يكن مترجماً للكلام، بل كان مستأنِفاً من عند نفسه كلاماً، وهذا بابٌ من الاعتبار يُحتاج إليه، فحقُّه أن يُحفَظ، وعسى أن يجيءَ له زيادةُ بسطٍ فيما يُستقبَل، فاعلم أنك قد تجد الشيء يُخلَط بالضَّرب الأول الذي استعارة من طريق اللفظ ويُعدُّ في قبيله، وهو إذا حقَّقت ناظِرٌ إلى الضرب الآخَر الذي هو مستعار من جهة المعنى وجارٍ في سبيله، فمن ذلك قولهم: إنه لغليظ الجَحافل، وغليظُ المشافر، وذلك أنه كلام يصدر عنهم في مواضع الذّمّ، فصار بمنزلة أن يقال: كأنَّ شفته في الغِلَظ مِشفَر البعير وجَحْفَلة الفرس، وعلى ذلك قول الفرزدق:

فلو كنتَ ضَبّيّاً عرفتَ قَرابتي ... ولكنَّ زنجيّاً غليظَ المشافِر

فهذا يتضمّن معنى قولك: ولكن زنجياً كأنه جمل لا يعرفُني ولا يهتدي لَشَرفي، وهكذا ينبغي أن يكون القول في قولهم: أنْشبَ فيه مخالبه، لأنَّ المعنى على أن يجعل له التعلُّق بالشيء والاستيلاء عليه، حالةً كحالة الأسد مع فريسته، والبازي مع صيده،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015