ولو سلكت بهِ طريقةَ ما يسقط فيه ذكر المشبَّه فقلت مثلاً: أقْبَسْتَني ناراً لها دخان، كان ساقطاً، ولو قلت أقبستَني نوراً أضاء أُفُقي به، تريد علماً، كان حَسَناً، حُسْنَه إذا قلت عِلْمُك نور في أُفقي، والسبب في ذلك أنّ اطِّراحَ ذكر المشبَّه والاقتصارَ على اسم المشبَّه به، وتنزيلَهُ منزلته، وإعطاءَه الخلافة على المقصود، إنما يصحّ إذا تقرَّر الشَّبه بين المقصود وبين ما تستعير اسمه له، وتستبينه في الدِّلالة، وقد تَقرَّر في العُرف الشبه بين النور والعلم وظهرَ وَاشْتُهِر، كما تقرر الشَّبه بين المرأة والظبية، وبينَها وبينَ الشمس ولم يتقرر في العُرْف شَبَهٌ بين الصَّنيعة والنار، وإنما هو شيءٌ يضعه الآن أبو تمام ويتمحّله، ويعمل في تصويره، فلا بُدّ له من ذكر المشبَّه والمشبَّه به جميعاً حتى يُعقَلَ عنه ما يريده، ويَبِينَ الغرض الذي يقصده، وإلاّ كان بمنزلة من يريد في إعلام السامع أنّ عنده رجلاً هو مثل زيد في العلم مثلاً، فيقول له: عندي زيد، ويَسُومه أن يَعْقِل من كلامه أنه أراد أن يقول: عندي رجل مثل زيد، أو غيره من المعاني، وذلك تكليفُ علم الغيب. فاعرف هذا الأصل وتبيَّنْه، فإنك تزداد به بصيرةً في وجوب الفَرْق بين الضربين، وذلك أنهما لو كانا يَجْرِيان مجرىً واحداً في حقيقة الاستعارة، لوجب أن يَسْتَويَا في القضيّة، حتى إذا استقامَ وَضْعُ الاسم في أحدهما استقام وَضْعه في الآخر فاعرفه. فإن قلت فما تقول في نحو قولهم لقيتُ به أسداً ورأيت منه ليثاً.