على هذا النحو أيضاً، لأن موضوع الاستعارة - كيف دارت القضيةُ - على التشبه، وإذا بانَ بما ذكرتُ أن هذا الجنس إذا فَلَيتَهُ عن سِرّه، ونقَّرتَ عن خبيئه، فمحصوله أنك تدّعي حدوثَ شيء هو من الجنس المذكور، إلا أنه اختُصَّ بصفة غريبة وخاصية بديعة، لم يكن يُتوهَّم جوازُها على ذلك الجنس، كأنك تقول: ما كنّا نعلم أن هاهنا بدراً هذه صفته كان تقدير التشبيه فيه نقضاً لهذا الغرض، لأنه لا معنى لقولك: أشبّهه ببدرٍ حَدَثٍ خلافِ البدور ما كان يُعرَف. وهذا موضع لطيف جدّاً لا تنتصف منه إلاّ باستعانة الطبع عليه، ولا يمكن توفيةُ الكشف فيه حقَّه بالعبارة، لدقَّة مسلكه. ويتصل به أن في الاستعارة الصحيحة ما لا يحسن دخول كَلِمِ التشبيه عليه، وذلك إذا قوي التشَّبَهُ بين الأصل والفرع، حتى يتمكن الفرعُ في النفس بمداخلة ذلك الأصل والاتحاد به، وكونِه إياه، وذلك في نحو النور إذا استعير للعلم والإيمان، والظلمة للكفر والجهل، فهذا النحو لتمكُّنه وقوَّةِ شَبهه ومَتانة سببه، قد صار كأنه حقيقة، ولا يحسن لذلك أن تقول في العلم كأنه نور، وفي الجهل كأنه ظلمة، ولا تكاد تقول