اسرار البلاغه (صفحة 275)

فالذي بدأتُ به من دعوى أصلٍ وعلّةٍ في حُكمٍ من الأحكام، هما كذلك ما تُرِكَتْ المضايقة، وأُخذ بالمسامحة، ونُظر إلى الظاهر، ولم يُنقَّر عن السرائر، وهو النَمَطُ العَدْل والنُمْرُقة الوُسطَى، وهو شيءٌ تراه كثيراً بالآداب والحِكم البريئة من الكذب، ومن الأمثلة فيه قول أبي تمام:

إنّ رَيْبَ الزمان يُحْسِنُ أن يُه ... دِي الرَّزَايا إلى ذَوي الأحسابِ

فَلِهذَا يَجفُّ بَعْدَ اخضرارٍ ... قَبْلَ رَوْضِ الوِهادِ رَوْضُ الرَّوَابي

وكذا قولُه يذكر أنّ الممدوح قد زاده، مَع بُعده عنه وغيبتِه، في العطايا على الحاضرين عنده اللاَّزمين خِدْمَته:

لَزِمُوا مَرْكَزَ النَّدَى وذَراهُ ... وعَدَتْنا عَنْ مثْل ذاك العَوَادي

غيرَ أنَّ الرُّبَى إلى سَبَل الأنو ... اءِ أدنَى والحظُّ حَظُّ الوِهَادِ

لم يقصِد من الربى هاهنا إلى العلوّ، ولكن إلى الدنوّ فقط، وكذلك لم يُردْ بذكر الوهاد الضَّعةَ والتَّسفُّل والهُبوط، كما أشار إليه في قوله " والسَّيْلُ حَربٌ للمكان العالي " وإنما أراد أن الوهاد ليس لها قُرْبُ الرُّبَى من فيض الأنواء، ثم إنها تتجاوزُ الرُّبَى التي هي دانية قريبة إليها، إلى الوهاد التي ليس لها ذلك القُرْب. ومن هذا النَّمط، في أنه تخييل شبيةٌ بالحقيقة لاعتدال أمره، وأنّ ما تعلَّق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015