والطِّينة الخالية من التشكيل سقطت قيمتها، وانحطت رتبتها، وعادت الرَّغبات التي كانت فيها زُهداً، وأوسعتها عيونٌ كانت تطمح إليها إعراضاً دونها، وصدّاً، وصارت كمن أحظاه الجدُّ بغير فضلٍ كان يرجع إليه في نفسه، وقدَّمه البخت من غير معنًى يقضي بتقدّمه، ثم أفاق فيه الدهر عن رقدته، وتنبّه لغلطته، فأعاده إلى دِقّة أصله، وقلّة فضله، وهذا غرضٌ لا يُنال على وجهه، وطَلِبةٌ لا تُدرَك كما ينبغي، إلا بعد مقدّماتٍ تُقدَّم، وأصولٍ تُمهَّد، وأشياءَ هي كالأدوات فيه حقُّها أن تُجمع، وضروبٍ من القول هي كالمسافات دونه، يجب أن يُسَار فيها بالفكر وتُقْطَع، وأوَّلُ ذلك وأوْلاه، وأحقّهُ بأن يستوفِيَهُ النظر ويتَقَصَّاه، القولُ على التشبيه والتمثيل والاستعارة، فإن هذه أصولٌ كبيرة، كأنَّ جُلَّ محاسن الكلام إن لم نقل: كُلَّها متفرّعة عنها، وراجعة إليها، وكأنها أقطابٌ تدور عليها المعاني في مُتصرَّفَاتها، وأقطارٌ تُحيط بها من جهاتها، ولا يَقْنع طالب التحقيق أن يقتصر فيها على أمثلة تُذكر، ونظائرَ تُعدُّ، نحو أن يقال: الاستعارة مثل قولهم الفكرة فخُّ العمل، وقوله: "