فقل الآن: هل بقيتْ عليك حسنة تُحِيل فيها على لفظة من ألفاظها حتى إنّ فَضْلَ تلك الحسنة يبقى لتلك اللفظة لو ذُكرتْ على الانفراد، وأزيلت عن موقعها من نظم الشاعر ونسجه وتأليفه وترصيفه، وحتى تكون في ذلك كالجوهرة التي هي، وإن ازدادت حُسناً بمصاحبة أخواتها، واكتست بهاءً بمُضَامَّة أترابها، فإنها إذا جُلِيتْ للعين فَرْدةً، وتُركت في الخيط فَذَّة، لم تعدم الفضيلة الذاتية، والبهجة التي في نفسها مَطويَّة والشَّذْرةِ من الذهب تراها بصُحْبة الجواهر لها في القلادة، واكتنافها لها في عنق الغَادة، ووَصْلها بريقَ جَمرتها والتهاب جَوْهَرها، بأنوار تلك الدُّرَر التي تجاورها، ولألاء اللآلئ التي تُناظرها تزداد جمالاً في العين، ولُطْف موقِع من حقيقة الزين، ثم هي إن حُرِمت صُحبة تلك العقائل، وفَرَّقَ الدهرُ الخؤُون بينها وبين هاتيك النفائس، لم تَعْرَ من بَهْجتها الأصيلة، ولم تذهب عنها فضيلة الذَّهبية، كلاَّ، ليس هذا بِقياس الشعر الموصوفِ بحسن اللفظ، وإن كان لا يبعد أن يتخيّله مَنْ لا يُنعم النظر، ولا يُتمّ التدبُّر، بل حقُّ هذا المثل أن يوضع في نصرة بعض المعاني الحكمية والتشبيهية بعضاً، وازدياد الحسن منها بأن يجامِعَ شكلٌ منها شكلاً، وأن يصل الذِّكرُ بين متدانيات في ولادة العقول إياها، ومتجاوراتٍ في تنزيل الأفهام لها.