اسرار البلاغه (صفحة 229)

صَحوٌ وغَيْمٌ وضِياءٌ وظُلَمْ ... مثل سُرورٍ شابَه عارضُ غَمّ

ومن جيّد ما يقَع في هذا الباب قولُ التنوخيّ في قطعة، وهي قوله:

أما ترى البردَ قد وَافَت عساكرُه ... وعسكرُ الحرِّ كيف انصاعَ مُنْطلقَا

فالأرضُ تحت ضَرِيب الثلج تَحْسِبُها ... قد أُلبست حُبُكاً أو غُشِّيت وَرِقَا

فانهضْ بنارٍ إلى فحْمٍ كأنهما ... في العين ظُلْمٌ وإنصافٌ قد اتَّفقَا

جاءت ونحن كقلب الصَّبِّ حين سلا ... برداً فصِرْنَا كقلب الصبّ إذْ عَشِقَا

المقصود فانهض بنار إلى فحم، فإنه لما كان في الحق: إنّه منير واضح لائح، فتستعار له أوصاف الأجسام المنيرة، وفي الظلم خلافُ ذلك، تخيّلَهُما شيئين لهما ابيضاضٌ واسودادٌ، ووإنارةٌ وإظلامٌ، فشبّه النَّارَ والفحم بهما. ومن الباب قول ابن بابك:

وأرضٍ كأَخلاق الكريم قَطَعْتُها ... وقد كَحَلَ الليلُ السِّماكَ فأَبصَرا

لما كانت الأخلاق توصف بالسعة والضيق، وكثر ذلك واستمرّ، تَوهَّمه حقيقةً، فقابَلَ بين سعة الأرض التي هي سعة حقيقية وأخلاق الكريم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015