اسرار البلاغه (صفحة 221)

وإن كان التفاوت في المقدار بين الصُّبح والطِّراز في الامتداد والانبساط شديداً، وكذلك تشبيه الشَّمس بالمرآة المجلوَّة، وبالدينار الخارج من السِّكّة، كما قال ابن المعتزّ:

وكأنّ الشَّمسَ المُنيرةَ دِينا ... رٌ جَلَته حَدَائدٌ الضُّرَّابِ

حَسَنٌ مقبول، وإن عظُم التفاوتُ بين نُورِ الشمس ونور المرآة والدِّينارِ أو الجِرْم والجرم، لأنك لم تضع التشبيه على مجرَّد النُّور والائتلاق، وإنما قصدت إلى مستديرٍ يتلألأ ويلمع، ثم خصوصٍ في جنس اللون يوجد في المرآة المجلوَّة والدينار المُتَخلِّص من حَمْيِ السِّكّة، كما يوجد في الشمس، فأما مقدار النور، وأنه زائد أو ناقص ومتناهٍ، أو متقاصر، والجِرمُ أعظِيمٌ هو أم صغير؛ فلم تتعَرَّض له، ويستقيم لك العكس في هذا كله، نحوُ أن تشبّه المرآة بالشمس، وكذلك لو قلت في الدينار كأنه شمس، أو قلت كأن الدنانير المنثورة شموسٌ صغار لم تتعدَّ، وجملةُ القول أنه متى لم يُقصَد ضَرْبٌ من المبالغة في إثبات الصفة للشيء، والقصدِ إلى إيهامٍ في الناقص أنه كالزائد، واقتُصِر على الجمع بين الشيئين في مطلق الصورة والشكل واللون، أو جمعِ وصفين على وجهٍ يوجد في الفَرْع على حدّه أو قريبٍ منه في الأصل، فإنّ العكسَ يستقيم في التشبيه، ومتى أُرِيد شيء من ذلك لم يستقم،.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015