البين فَيَمْنَعُ منه، ولا يكون من صميم الوصف المشترك بين الشيئين المشبَّهِ أحدُهما بالآخر، فمن ذلك، وهو أقواه فيما أظنُّ، أن يكون بين الشيئين تفاوتٌ شديد في الوصف الذي لأجله تُشبِّه، ثم قصدتَ أن تُلحق الناقصَ منهما بالزائد، مبالغةً ودلالةً على أنه يفضُل أمثاله فيه، بيانُ هذا: أن هاهنا أشياءَ هي أصولٌ في شدة السَّواد كخافية الغراب، والقارِ، ونحو ذلك، فإذا شبّهتَ شيئاً بها كان طلبُ العكس في ذاك عكساً لما يُوجبه العقل ونقضاً للعادة، لأن الواجب أن يُثَبت المشكوك فيه بالقياس على المعروف، لا أن يُتَكلَّف في المعروف تعريفٌ بقياسه على المجهولِ وما ليس بموجود على الحقيقة، فأنت إذا قلت في شيء: هو كخَافِية الغراب، فقد أردت أن تُثبت له سواداً زائداً على ما يُعهَد في جنسه، وأن تصحِّح زيادةً هي مجهولة له، وإذا لم يكن هاهنا ما يزيد على خافية الغراب في السواد، فليت شعري ما الذي تريد من قياسه على غيره فيه، ولهذا المعنى ضَعُف بيت البحتري:
على باب قِنَّسرينَ والليلُ لاطخٌ ... جَوَانبَه من ظُلمةٍ بمدادِ
وذاك أن المداد ليس من الأشياء التي لا مزيد عليها في السواد، كيف ورُبَّ مِدَادٍ فاقد اللون، والليلُ بالسواد وشدّته أحقّ وأحرى أن يكون مثلاً، ألا ترى إلى ابن الرومي حيث قال السريع:
حِبْرُ أبي حفصٍ لُعَابُ الليلِ ... يَسيلُ للإخوان أيَّ سَيْلِ