دُون التَّعانُقِ ناحلَين كَشَكْلَتَي ... نَصْبٍ أَدَقَّهُما وضَمَّ الشاكلُ
لا يكون كقوله:
إني رَأيتُك في نَومي تُعانِقُني ... كما تُعانِقُ لامُ الكَاتِبِ الألِفَا
فإن هذا قد أدَّى إليك شكلاً مخصوصاً لا يُتصوَّر في كل واحد من المذكورين على الانفراد بوجه، وصُورةً لا تكون مع التفريق وأما المتنبي فأراك الشيئين في مكان واحد وشدّد في القُرب بينهما، وذاك أنه لم يعرض لهيئة العِناقِ ومخالفتها صورة الافتراق، وإنما عَمد إلى المبالغة في فرط النُّحول، واقتصر من بيان حال المُعانقة على ذكر الضَّمِّ مطلقاً والأوّل لم يُعْنَ بحديث الدقّة والنحول، وإنما عُني بأمر الهيئة التي تحصل في العناق خاصّةً، من انعطاف أحد الشكلين على صاحبه، والتفاف الحبيب بمُحِبّه، كما قال:
لَفَّ الصَّبا بقَضِيبٍ قضِيبَا
وأجاد وأصاب الشبه أحسن إصابةٍ، لأن خَطَّى اللام والألف في لا ترى رأسيهما في جهتين، وتراهما قد تماسًّا من الوسط، وهذه هيئة المعتنقين على الأمر بالمعروف، فأما قصد المتنبي فليس بصفة عِناق على الحقيقة، وإنما هو تضامٌّ وتلاصقٌ، وهو بنحو قوله: