وإذْ قد عرفتَ هذه التفاصيل، فاعلم أن ما كان من التركيب في صورة بيت امرئ القيس، فإنما يستحق الفضيلة من حيثُ اختصار اللفظ وحُسن الترتيب فيه، لا لأن للجمع فائدةً في عين التشبيه، ونظيرُه أنَّ للجمع بين عِدّة تشبيهاتٍ في بيتٍ كقوله:
بَدَت قمراً ومَاسَت خُوطَ بانٍ ... وفَاحت عنبراً ورَنَتْ غزالاَ
مكاناً من الفضيلة مرموقاً، وشأواً ترى فيه سابقاً ومسبوقاً لا أنّ حقائق التشبيهات تتغير بهذا الجمع، أو أن الصُوَر تتداخل وتتركّب وتأتلف ائتلافَ الشكلين يصيران إلى شكل ثالث، فكونُ قدِّها كخُوط البان، لا يزيد ولا ينقص في شبه الغزال حين ترنُو منه العينان، وهكذا الحكم في أنها تفوح فَوْحَ العنبر، ويلوح وَجهها كالقمر، وليس كذلك بيت بشار: كأنّ مثار النقع، لأن التشبيه هناك كما مضى مركَّب وموضوع على أن يُريَك الهيئةَ التي ترى عليها النَّقْع المظلم، والسيوفُ في أثنائه تبرُق وتُومِض وتعلو وتنخفض، وترى لها حَرَكات من جهات مختلفة كما يوجبه الحال حين يحمَى الجِلاد، وترتكض بفرسانها الجياد. كما أن قول رؤبة مثلاً:
فيها خطوطٌ من سَوَادٍ وبَلَقْ ... كأنّها في الجِلْد تَوْلِيعُ البَهقْ