رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ ضَرَبَ عَسْكَرَهُ عَلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَضَرَبَ (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ) عَسْكَرَهُ عَلَى ذِي جُدَّةَ أَسْفَلَ مِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَلَمْ يَكُنْ بِأَقَلِّ الْعَسْكَرَيْنِ، فَلَمَّا سَارَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تَخَلَّفَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فِيمَنْ تَخَلَّفَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَأَهْلِ الرَّيْبِ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى يعزّي نبيه صلى اللَّه عليه وسلم: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا الْآيَةَ.
[245] قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي الْآيَةَ. [49] .
9/ 49 [50»
- نَزَلَتْ فِي (جَدِّ بْنِ قَيْسٍ الْمُنَافِقِ) ، وَذَلِكَ أَنَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لَمَّا تَجَهَّزَ (لِغَزْوَةِ تَبُوكَ) قَالَ لَهُ: يَا أَبَا وَهْبٍ، هَلْ لَكَ فِي جِلَادِ بَنِي الْأَصْفَرِ تَتَّخِذُ مِنْهُمْ سَرَارِيَّ وَوُصَفَاءَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ عَرَفَ قَوْمِي أَنِّي رَجُلٌ مُغْرَمٌ بِالنِّسَاءِ، وَإِنِّي أَخْشَى إِنْ رَأَيْتُ بَنَاتِ [بَنِي] الْأَصْفَرِ أَنْ لَا أَصْبِرَ عَنْهُنَّ، فلا تفتني بهن، وَائْذَنْ لِي فِي القعود عنك فأعينَك بِمَالِي، فَأَعْرَضَ عنه النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وَقَالَ: قَدْ أَذِنْتُ لَكَ. فأنزل اللَّه تعالى هَذِهِ الْآيَةَ.
فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لَبَنِي سَلِمَةَ. وَكَانَ الْجَدُّ مِنْهُمْ-: مَنْ سَيِّدُكُمْ يَا بَنِي سَلِمَةَ؟ قَالُوا: الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ، غَيْرَ أَنَّهُ بَخِيلٌ جَبَانٌ. فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم:
«وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَى مِنَ الْبُخْلِ، بَلْ سيدكم الفتى الْأَبْيَضُ، الْجَعْدُ: بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ» . فَقَالَ فِيهِ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
وَقَالَ رَسُولُ اللَّه والحق لا حق ... بِمَنْ قَالَ مِنَّا: مَنْ تَعُدُّونَ سَيِّدَا
فَقُلْنَا لَهُ: جَدُّ بْنُ قَيْسٍ عَلَى الَّذِي ... نُبَخِّلُهُ فِينَا وَإِنْ كَانَ أَنْكَدَا
فَقَالَ: وَأَيُّ الدَّاءِ أَدْوَى مِنَ الَّذِي ... رَمَيْتُمْ بِهِ جَدًّا وَعَالَى بِهَا يَدَا
وَسَوَّدَ بِشْرَ بْنَ الْبَرَاءِ بِجُودِهِ ... وَحُقَّ لِبِشْرٍ ذِي النَّدَا أَنْ يُسَوَّدَا