وقيام الشرعية الإسلامية على هذاالنحو، أو تطبيق الشريعة الإسلامية بهذه الشروط, يستتبع ويستلزم للنظام الإسلاميّ أن توجد أمة تحمله, وأن توجد سلطة تحميه, ولهذا وتلك من السمات والشروط ما يحتاج لشيء من التفصيل.
ثانيًا- أمة تحمل الحق:
{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} 1.
وهذه الأمة التي جعل الله لها الخيرية على سائر الأمم, جعلها بحقها وشروطها, وهي إن قامت فيها هذه الشروط كتب الله لها الخلود, ولقد بقيت الأمة الإسلامية رغم المحن والأزمات، ورغم تقلبات الحكم والحاكم, بقيت -بحمد الله- حافظة لكتاب الله, محفوظة بعناية الله, حتى لقد صح ما قاله أحد الأئمة من أن العصمة في الإسلام للأمة لا للإمام، وصحَّ ما نقوله: من أن الأمة الإسلامية كانت بعد الكتاب العزيز من أكبر آيات الله العزيز الحميد.
فلو أن أمة أخرى تعرضت لما تعرضت له الأمة الإسلامية؛ من كيد وبطش وعسف, لما كان لها اليوم وجود.
وإن الأمة التي أخرجت أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا وعمر بن عبد العزيز من الحكام، وأخرجت من العلماء العاملين: أبا حنيفة ومالكًا والشافعيَّ وأحمد بن حنبل, ومن بعدهم الذين {صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} 2.
وحج الرشيد عامًا فلقيه عبد الله العمريّ في الطواف, فقال: يا هارون, قال: لبيك يا عم، قال: كم ترى هنا من الخلق لا يحصيهم إلّا الله, قال: اعلم أيها الرجل أن كل واحد منهم يسأل عن خاصة نفسه، وأنت واحد تسأل عنهم كلهم, فانظر كيف تكون, فبكي هارون وجلس, فجعلوا يعطونه منديلًا للدموع, ثم قال له: إن الرجل ليسرع في مال نفسه فيستحق الحجر عليه, فكيف بمن أسرع في مال المسلمين3.