ننظر المسك على الكافور ... في جلنار
كللي ... يا سحاب التيجان الربا بالحلى
واجعلي ... سوارها منعطف الجدول
ولمّا شاع فن التوشيح في أهل الأندلس وأخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه وتصريع أجزائه نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله ونظموا على طريقته بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيه إعرابا واستحدثوا فنا سموه بالزجل والتزموا النظم فيه على مناحيهم إلى هذا العهد فجاءوا فيه بالغرائب واتسع فيه للبلاغ مجال بحسب لغتهم المستعجمة.
وأول من أبدع في هذه الطريقة الزجلية أبو بكر بن قزمان وإن كانت قيلت قبله بالأندلس لكن لم تظهر حلاها ولا انسبكت معانيها ولا اشتهرت رشاقتها إلاّ في زمانه وكان لعهد الملثمين وهو إمام الزجالين على الإطلاق. قال أبن سعيد: ورأيت أزجاله مروية ببغداد أكثر مما رأيتها بحواضر المغرب. قال: أبا الحسن بن حجدر الإشبيلي إمام الزجالين في عصرنا يقول: ما وقع لأحد من أئمة هذا الشأن مثل ما وقع لابن قزمان شيخ الصناعة وقد خرج إلى متنزه مع بعض أصحابه فجلسوا تحت عريش وأمامهم تمثال أسد من رخام يصب الماء من فيه على صفائح من الحجر فقال:
وعريش قد قام على دكان ... بحال رواق
وأسد قد ابتلع الثعبان ... في غلظ ساق