العلم.. والمثل العليا

إن الفصل بين الواقع الإنساني والمثل العليا، مهد للعلم المنشق عن الدين أن يزعم أنه يتعامل مع الموجود المادي الملموس، أي أنه لا يتعامل مع غايات الحياة وأهدافها ومقاصدها الرفيعة، وهكذا نجد أن كلّ نقد يوجه للدين الجزئي يمكن أن يوجه للعلم الجزئي كذلك، فالدين الذي يتجاهل الواقع البشري ويتعامى عن مشكلاته يتطابق مع العلم الذي يتعامى عن العقائد والمثل العليا ويفصلها عن الحياة. فإذا كان الأول يتجاهل الحياة الواقعية القائمة ويتجاهل خبرات الإنسان نفسها، فإن العلم القاصر عن المثل العليا يهبط إلى المادي الملموس والمسموع والمنظور، مجرداً من القيم الإنسانية، ويصبح سلعة تكنولوجيا يمكن لأي شخص أن يشتريها لأي غرض، ويصبح العلماء مرتزقة يتكسبون بالعلم في أي مكان، كما حدث لعلماء الإيمان الذي عملوا للأهداف النازية والشيوعية والأمريكية.

لقد علمتنا العقود الأخيرة القليلة بأن العلم قد يصبح خطراً يهدد مقاصد الإنسان العليا، وأن العلماء قد يصبحون وحوشا طالما أن العلم أصبح كلعبة الشطرنج، متعسفاً لا هدف له، غايته الوحيدة اكتشاف الوجود المحسوس. وبذلك ارتكب العلم الخطأ الفادح المصيري الذي يقصي أسمىَ الخبرات الذاتية من ميدان الوجود القابل للاكتشاف.

المجلة الإسلامية المغربية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015