وذلك لأنها غيب، والغيب يقوم على التسليم، فالتسليم بالغيب من أعظم صفات المؤمنين التي مدحهم الله بها، كما في قوله ـ تعالى ـ: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة:2،3].
ذلك أن العقول لا تدرك الغيب، ولا تستقل بمعرفة الشرائع؛ لعجزها وقصورها؛ فكما أن سمع الإنسان قاصر، وبصره كليل، وقوتَه محدودة ـ فكذلك عقله، فَتَعَيَّن الإيمان بالغيب والتسليم لله ـ عز وجل ـ.
وهذه الخصيصة قد اعترف بها كثير من خصومها؛ فلا يوجد ـ بحمد الله ـ أصل من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ـ ليس له أصل أو مستند من الكتاب والسنَّة، أو عن السلف الصالح، بخلاف العقائد الأخرى المبتدعة.
فلا مكان فيها لشيء من ذلك مطلقاً، كيف لا وهي وحي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟
فالحق لا يضطرب، ولا يتناقض، ولا يلتبس.
بل يشبه بعضه بعضاً، ويصدق بعضه بعضاً (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء:82].
ففي العقيدة الإسلامية ما يبهر العقول، وما قد تحار فيه الأفهام، كسائر أمور الغيب؛ من عذاب القبر ونعيمه، والصراط، والحوض، والجنة والنار، وكيفية صفات الله ـ عز وجل ـ.
فالعقول تحار في فهم حقيقة هذه الأمور، وكيفياتها، ولكنها لا تحيلها بل تسلِّم لذلك، وتنقاد، وتذعن؛ لأن ذلك صدر عن الوحي المنزل، الذي لا ينطق عن الهوى.