اركان الايمان (صفحة 202)

قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) [البقرة/2 - 5]}.

فاليقينُ بالآخرة هو مفرقُ الطريق بين من يعيشُ بين جدرانِ الحسِّ المغلقةِ، ومن يعيشُ في الوجودِ المديد الرحيب. بين من يشعرُ أن حياتَه على الأرض هيَ كلُّ ما له في هذا الوجود، ومن يشعرُ أن حياتَه على الأرض ابتلاءٌ يمهِّدُ للجزاء، وأنَّ الحياةَ الحقيقية إنما هي هنالكَ، وراء هذا الحيِّز الصغيرِ المحدودِ (?).

واليقينُ بالآخرة هو الضمانُ ليقظةِ القلب البشري، وتطلعِه إلى ما عند الله، واستعلائهِ على أوهاق (?) الأرض، وترفعُه على متاع الحياة الدنيا؛ ومراقبةِ الله في السرِّ والعلن وفي الدقيقِ والجليلِ؛ والوصول ِإلى درجة الإحسانِ التي سئل عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» (?).

وهؤلاءِ المحسنونُ هم الذين يكون الكتاب لهم هدىً ورحمةً؛ لأنهم بما في قلوبهِم من تفتحٍ وشفافيةٍ يجدون في صحبةِ هذا الكتاب راحةً وطمأنينةً؛ ويتَّصِلون بما في طبيعتهِ من هدى ونورٍ، ويدركونَ مراميهِ وأهدافهِ الحكيمة ِ، وتصطلحُ نفوسُهم عليه، وتحسُّ بالتوافقِ والتناسق ووحدةِ الاتجاه، ووضوحِ الطريق.

وإنَّ هذا القرآن ليعطي كلَّ قلبٍ بمقدارِ ما في هذا القلب من حساسيةٍ وتفتحٍ وإشراقٍ؛ وبقدر ما يقبلُ عليه في حب ٍّوتطلعٍ وإعزازٍ.إنه كائنٌ حيٌّ يعاطفُ القلوبَ الصديقةَ، ويجاوبُ المشاعر المتوجهةَ إليه بالرفرفةِ والحنينِ!

{أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (5) سورة البقرة. ومن هُديَ فقد أفلحَ، فهو سائرٌ على النورِ، واصلٌ إلى الغاية ِ، ناجٍ من الضلالِ في الدنيا، ومن عواقبِ الضلالِ في الآخرة؛ وهو مطمئنٌ في رحلته على هذا الكوكبِ تتناسقُ خطاهُ مع دورة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015