تسعى إلى أن تكون فيه بعيدة عن تلك الاستطرادات والسرديات والطروحات المتكررة التي حفلت بها معظم الدراسات أو الكتابات السابقة ذات الصلة بالقضية، كما تطمح إلى أن تكون حافزة وممهدة لدراسات مستقبلية أكثر عمقاً وشمولية واتساعاً.

طبيعة الاشتراك اللفظي

يفرق بعض علماء اللغة المعاصرين من حيث المفهوم ([1>) بين الاشتراك اللفظي، أو ما يسمونه بـ ' homonymy ' وبين ' تعدد المعنى للفظ الواحد ' أو ما يطلقون عليه ' polysemy' ، وينظرون إليهما على أنهما موضوعان مستقلان، يتناول أولهما - كما يستفاد من كتاباتهم أو طروحاتهم - تلك الألفاظ التي تتطور في شكلها وبنيتها الخارجية تطوراً متوازياً ممتداً حتى تتقابل وتتقارب وربما تتفق اتفاقاً تاماً وبطريق المصادفة في أصواتها وصورة نطقها، رغم اختلاف معانيها وصورة كتابتها، كما في الكلمتين الإنكليزيتين: see التي تعني بالعربية (يرى) و sea التي تعني (البحر)، وكذلك الكلمتين flour التي تعني (الدقيق أو لب القمح) وكلمة flower التي تعني (الزهرة)، بينما يتناول الموضوع الثاني تلك الكلمات التي تنشأ عن تطور مدلولات الكلمة الواحدة منها إلى أن تتباعد ((بعضها عن بعض في خطوط متفرقة)) ([2>)

وبهذا فإن مصطلح ' المشترك اللفظي ' وفق هذا المفهوم يعني التكرار مع التغير، ولكنه يتضمن وجود أكثر من كلمة بصيغة واحدة. بينما يتضمن المصطلح الآخر وجود كلمة واحدة بنفس الصيغة والشكل لأكثر من معنى واحد، أو بمعنى آخر ...

*تعريف الاشتراك اللفظي *

الاشتراك اللفظي يعني وجود كلمات منحدرة من أصول مختلفة وذات مدلولات مختلفة أيضاً ولكنها متقاربة أو متطابقة من حيث الصيغة أو النطق. بينما يعني ' تعدد المعنى' وجود كلمة واحدة منحدرة من أصل واحد لها أكثر من مدلول.

رغم ما يوجد من تفريق دقيق بين مفهومي المصطلحين السابقين، فإن هناك بعض التداخل الملحوظ بينهما، وهذا التداخل ناشئ عن اعتبار بعض الكلمات ' متعددة المعنى ' عند بعض من أشرنا إليهم من العلماء من ضمن ' المشترك اللفظي ' لمجرد تطابق هذه الكلمات في النطق أو الصياغة، وعدم إدراك أو ملاحظة العلاقات بينها من قبل المتكلم العادي.

يعتبر (ستيفن أولمان) على سبيل المثال كلمة see التي تعني في العربية (يرى) غير كلمة see في عبارة مثل

« the bishop's see » التي تعني (عرش الأسقف)، وكلمة page التي تعني (صفحة في كتاب) منفصلة عن كلمة page نفسها في عبارة page boy التي تعني (الساعي أو البواب)، وكلمة flower التي تعني (زهرة) مستقلة عن الكلمة نفسها في عبارة مثل « the flower of the country's manhood » ، أي (صفوة رجال الأمة). وعلى هذا الأساس فإن هذه الكلمات تعتبر من ضمن «المشترك اللفظي» وليست من «متعدد المعنى»؛ لعدم وجود ما يشعر متكلم اللغة العادي بوجود علاقة بين كل زوج من هذه الكلمات، وعدم وجود ما يدل دلالة قاطعة على انحدارهما من أصل واحد ([3>).

وهذا تعليل موجب للارتباك والخلط، كما هو واضح، وقد أشار أولمان نفسه إلى تحفظ الاشتقاقيين والباحثين في الأصول التاريخية للكلمات على هذا الرأي، ذلك؛ لأن التعليل المذكور لا يسهل معه التفريق بين الاشتراك اللفظي، وتعدد المعنى بنحو ثابت، فكلمة (الخال) العربية على نحو المثال تعني كما ورد في «المعجم الوسيط»: (أخو الأم) وتعنى

(لواء الجيش) كما تعنى (ما توسمت به خيراً) وهي معان مختلفة كما نرى، قد لا يدرك المتكلم العادي في الأعم الأغلب أدنى علاقة بينها، فهل يدعو ذلك لإخراج هذه الكلمة عن كونها كلمة «متعددة المعنى» واعتبارها ثلاث كلمات منحدرة من أصول مختلفة!؟

لا يبدو من كلام اللغويين العرب الأوائل ولا المعاصرين - حسب ما انتهى إليه تحقيقي - أنهم يفرقون بين «الاشتراك اللفظي» و بين «تعدد المعنى» على النحو الذي سبق توضيحه، فالمفهوم منهما عندهم كما يبدو واحد، وهو عكس ما يفهم من الترادف تماماً. فإذا كان الترادف يعني اتحاد المعنى وتعدد اللفظ، أو (إطلاق كلمتين أو عدة كلمات على مدلول أو معنى واحد)، فإن الاشتراك اللفظي يعنى اتحاد اللفظ في الصيغة والنطق والكتابة والأصل في أغلب الأحيان أيضاً مع تعدد المدلول، أو بتعبير آخر (إطلاق كلمة واحدة في اللغة على معنيين فأكثر على السواء

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015