بالمعنى: فالمقابر جمع مقبرة، وهي مجتمع القبور ... واستعمالها هنا ملائم معنوياً لهذا التكاثر، دال على مصير ما يتكالب عليه المتكاثرون من متاع دنيوي فإن ... هناك حيث مجتمع القبور ومحتشد الرمم ومساكن الموتى على اختلاف أعمارهم، وطبقاتهم، ودرجاتهم، وأزمنتهم، وهذه الدلالة من السعة والعموم والشمول لا يمكن أن يقوم لفظ «القبور» بما هي جمع لقبر، فبقدر ما بين قبر ومقبرة من تفاوت يتجلى إيثار البيان القرآني «المقابر» على «القبور» حين يتحدث عن غاية ما يتكاثر به المتكاثرون، وحين بلغت إلى مصيره هذه الحشود من ناس يلهيهم تكاثرهم عن الاعتبار بتلكم المقابر التي هي مجتمع الموتى ومساكن الراحلين الفانين» (?).
هذا العرض يكشف أن دلالة اللفظ لا تتحكم بها الفاصلة كما تحكمت بها المعاني الإضافية، واقتضاها البعد البياني في استيعاب المراد من وجوهه المختلفة، وجوانبه كافة، وذلك من دلائل إعجاز القرآن، في جمعه بين الصيغة الجمالية للشكل، والدلالة الإيحائية في المعنى.
الظاهرة الثالثة:
إن اختيار هذه الألفاظ إنما اتّجه بالخطاب إلى سكان الأرض الذين يهمهم أمرها ليتعرفوا على ما فيها عقلياً، ويتطلعوا إلى كشف أسرارها علمياً، بحسب الذائقة الفطرية الخالصة التي تبدو بأدنى تأمل وتلبث وترصد، وهنا نضع أيدينا على جملة من التعابير القرآنية بألفاظ لها دلالتها الهامشية إن لم نقل المركزية في كثير من الأبعاد النقدية والبلاغية زائداً العلمية:
أ ـ ففي قوله تعالى: ـ (أفلا يرون أنًا نأتي الأرض ننقصها من أطرافهآ ... ) (?).
يتجلى موقع «أطراف» «ننقصها» في التعبير، ... فالأطراف توحي بنظرة شمولية لشكل الأرض، و «ننقصها» توحي بفكرة آلية عن طبيعة