أَسَاءَ سَمْعًا فَأَسَاءَ (جَابَةً)

ـ[أديب طيء]ــــــــ[19 - 12 - 2010, 09:54 م]ـ

- قِصَّةُ المَثَلِ:

قال أبو عُبيد [1]: قال الزبير: وأصلُ هذا فيما أخبرني به محمد بن سلاَّم قال: كان لسهلِ بنِ عَمْرو ابنٌ مضعوف، قال: فقال إنسانٌ يوماً: أين أَمُّكَ؟ يريد: أين تَؤُم؟ فظن أنه يقول أين أُمُّك؟ قال: فحسبته قال: ذهبت تشتري دقيقاً، فقال سهيل: " أساء سمعاً فأساءَ جَابةً " فأرسلها مثلاً، فلما انصرف إلى زوجته أخبرها بما قال ابنها فقالت: أنت تبغضه فقال: أشْبَهَ امرؤٌ بَعْضَ بَزِّهِ. [2].

- شَرْحُ المَثَلِ:

معنى المثل: أي أَنَّهُ أَسَاءَ السَّمْعَ وفَهِمَ الكَلامَ عَلَى غَيْرِ مَا يُرَادُ بِهِ فَأَجَابَ إجَابَةً لا تَمُتُّ لسُؤَالِ السَّائِلِ بِصِلَةٍ بَلْ هِيَ جَوَابٌ لأَمْرٍ آخَرٍ.

قَالَ الأَصْمَعِيُّ: مِنْ أَمْثَالِهِم في المُجِيبِ عَلَى غَيْرِ فَهْمٍ: أَسَاءَ سمعاً فأَسَاءَ جَابَةً [3].

- مسألة:

وَرَدَ في المَثَلِ: (جَابَةً) وليس: إِجَابَةً.

وقد عَقَدَ ابنُ قُتيبة بابًا في أَدَبِ الكَاتِبِ وسمَّاهُ: ((بابُ ما لا يُهمز والعَوَامُّ تًهْمِزُهُ))

فقال: وَيُقال (أساءَ سَمْعاً فَأساءَ جَابَةً) هكذا بلا ألف وهو اسمٌ بمنزلةِ الطاقة والطاعة [4].

قال أبو عُبَيْدٍ: هكذا تحكى هذه الكلمة " جابة " بغير ألف، وذلك لأنه اسم موضوع، يقال: أجابني فلان جابةً حسنةً، فإذا أرادوا المصدرَ قالوا: أجابَ إجَابَةً، بالألف [5].

وقَالَ ابنُ فَارِس: ويقولون في مَثَلٍ: "أساءَ سَمْعاً فأساء جابةً". وقال الكميتُ لقُضاعة في تحوُّلهم إلى اليمنِ:

وما مَنْ تَهتِفينَ له بِنَصْرٍ **** بِأسْرَعَ جابَةً لكِ مِنْ هَدِيلِ [6].

قال الأَزْهَرِيُّ: ((قال أبو الهيثم: جابةٌ اسمٌ يقوم مقام المصدر، وهو كقولهم: المالُ عارةٌ، وأطعتُهُ طاعةً، وما أُطيق هذا الأمر طاقَةً، فالإجابة مصدرٌ حقيقيّ، والجابة اسمٌ، وكذلك الجواب، وكلاهما يقومان مقَامَ المصدر)) [7].

وقَالَ الزُبَيْديُّ: وقال كُراع: الجَابةُ: مصْدرٌ كالإِجابةِ، قال أَبو الهَيْثَم: جابةٌ اسْمٌ يقُومُ مَقَام المصْدر [8].

قلتُ: لقد ذكر ابن قتيبة –كما تقدم- أنَّ العوامَّ تهمزُ (جَابةً) في هذا المثل, فيقولون: (أساء سمعًا فأساء إجابةً) فهذا لحن [9] ولا يَصِحُّ هَمْزُهُ في هذا المثل, لأنَّ صَاحِبَ المثَلِ أرادَ الاسمَ هُنا فَقَالَ: (( ..... فأساء جابةً)) ولم يُرِدْ المصدر, وإذا أَرَدْتَ المصْدَرَ تَقُولُ: ((أَجَابَ إجَابةً)) – كما ذَكَرَ أبوعبيدٍ في كَلامِه السَّابِقِ- فَيَتَّضِحُ لَنَا أنَّ لَفْظَ المَثَلِ الصَّحِيحِ هُو: (أَسَاءَ سمعًا فأَسَاءَ جابةً) وأنَّ مَنْ قَالَ: (إجابَةً) في هذا المثَلِ فقد أخطأ, والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الأمثال لابن سلاَّم ص53, دار المأمون للتراث, تحقيق: عبد المجيد قطامش, ط 1400هـ

وجمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري (1/ 25) , دار الفكر, تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش, ط2 1988م.

ولسان العرب لابن منظور (1/ 283) , دار صادر.

[2] ذكر الميداني هذه القصة في مجمع الأمثال (1/ 330) [دار المعرفة تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد] باختلاف, فقال-عندما كلَّم الأخنسُ ابنَ سُهيل-: ((قال الأخنس: حيَّاك الله يافتى, قال-أي الفتى-: لا والله ما أمي في البيت انطلقت إلى أم حنظلة تطحن دقيقًا)) ولم يذكر سؤال الأخنس عندما قال: أين أَمُّك؟ أي: أين تؤم –كما تقدَّم معنا- وهذه الرواية لا تصح والصحيح كما ذكره ابنُ سلاَّمٍ وغيرُه.

[3] الأمثال لابن سلام ص53

[4] أدب الكاتب لابن قتيبة ص286,المكتبة التجارية, تحقيق: محمد محيي الدين عيد الحميد, مصر.

[5] الأمثال لابن سلاَّم ص53

[6] مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 491 - 492) , دار الفكر, عبدالسلام هارون.

[7] تهذيب اللغة للأزهري (11/ 148) ,دار إحياء التراث العربي, تحقيق: محمد عوض مرعب.

[8] تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي (2/ 203) ,دار الهداية, مجموعة محققين.

[9] سألت شيخنا الدكتور: سليمان خاطر-وفقه الله- عن لفظ (إجابة) في هذا المثل فأخبرني أنه لحن وهو ما يلحن فيه العامة.

ـ[ابن القاضي]ــــــــ[19 - 12 - 2010, 10:19 م]ـ

(فَيَتَّضِحُ لَنَا أنَّ لَفْظَ المَثَلِ الصَّحِيحِ هُو: (أَسَاءَ سمعًا فأَسَاءَ جابةً) وأنَّ مَنْ قَالَ: (جابَةً) في هذا المثَلِ فقد أخطأ, والله أعلم.)

أخي الكريم ربما قصدت: وأن من قال (إجابة) بالهمز ..

ـ[أنوار]ــــــــ[19 - 12 - 2010, 10:20 م]ـ

بحث قيم، جمع بين الإيجاز، ودقة التوثيق وعمق المعلومة.

فبارك الله جهودكم.

ـ[أديب طيء]ــــــــ[19 - 12 - 2010, 10:40 م]ـ

(فَيَتَّضِحُ لَنَا أنَّ لَفْظَ المَثَلِ الصَّحِيحِ هُو: (أَسَاءَ سمعًا فأَسَاءَ جابةً) وأنَّ مَنْ قَالَ: (جابَةً) في هذا المثَلِ فقد أخطأ, والله أعلم.)

أخي الكريم ربما قصدت: وأن من قال (إجابة) بالهمز ..

صدقت, فقد أردتُ (إجابة) ولكن الهمزة سقطت, وصححتُ الآن فشكرًا لك يا أستاذنا.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015