ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[09 - 05 - 07, 04:41 م]ـ
بسم الله والحمد لله
يستدل علماء العلل على تعليل الحديث بأمور وقرائن كثيرة تشهد لهم ببراعتهم في هذا الفن وسعة حفظهم للمرويات وحسن معرفتهم بتراجم الرواة وأحوالهم.
ومن ذلك أنهم يعللون رواية الحديث أحياناً بأن تأتي لذلك الحديث رواية ثانية أنقص منها أو أدون منها، في متنها أو سندها أو مرتبتها أو قيمتها، وتكون هذه الرواية الثانية من رواية من كان حقه أن يروي الرواية الأولى - لو صحت عنده - ويستغني بها عن الرواية الثانية، فالأولى - لو صحت - أليق به وأولى به من الثانية.
ومن أمثلة ذلك أن تكون الرواية الأولى مرفوعة والثانية موقوفة، أو تكون الأولى متصلة والثانية مرسلة.
أو تكون الأولى مسلسلة بالثقات المعروفين والثانية فيها راو ضعيف أو مجهول أو مبهم.
أو تكون الأولى عالية والثانية نازلة.
أو تكون الأولى من رواية ذلك الراوي عن بعض كبار شيوخه في طبقتهم أو علمهم أو منزلتهم، وتكون الثانية عن شيخ آخر.
أو تكون الأولى عن بعض من لازمهم الراوي من شيوخه، أو عن بعض أقاربه أو جيرانه أو أهل بلده، وتكون الثانية عن شيخ آخر من شيوخ ذلك الراوي غير متصف بما تقدم.
أو تكون الأولى هي الجادة دون الثانية.
والحقُّ أن هذه الطريقة في التعليل إنما تليق أكثر بروايات المتقدمين من الرواة من الصحابة وتابعيهم وأتباع التابعين، وبغيرهم من علماء المحدثين ومن كبار ثقات الرواة؛ وذلك بخلاف حال المتأخرين فإنهم يروون أحياناً للإغراب وإبراز الفوائد، وأحياناً لاستيفاء رواية ما عندهم من مسموعاتهم، وأحياناً أخرى لغير ذلك؛ وأما المتقدمون فلم يكن عندهم فاصل واسع بين الحديث والفقه، ولا بين العلم والعمل، فما كان أحدهم ليترك – مثلاً - حديثاً مرفوعاً صحيحاً عنده، ويشتغل برواية حديث موقوف، أو يترك رواية الحديث عن بعض ثقات شيوخه الذين أكثر عنهم، ويروي ذلك الحديث – لأجل الإغراب - عمن هو أقل رتبة من ذلك الشيخ.
وهذه أمثلة أسوقها بعد هذا الذي تقدم من الإشارة إلى أنواع من طرق التعليل في هذا الباب، فأقول وبالله التوفيق:
1 - قال ابن أبي حاتم في (العلل) (223): (وسألتُ أبِي، وأبا زُرعة، عَن حدِيثٍ رواهُ زُهيرُ بنُ عبّادٍ عن حفصِ بنِ ميسرة عنِ ابنِ عَجْلان عن أبِيهِ عن أبِي هُريرة عنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إ"ِنَّ الّذِي يرفعُ رأسهُ ويخفِضُهُ قبل الإِمامِ كأنّما ناصِيتُهُ بِيدِ شيطانٍ".
قال أبِي: هذا خطأٌ، كُنّا نظُنُّ أنّهُ غرِيبٌ، ثُمّ تبيّن لنا عِلّتُهُ.
قُلتُ: وما عِلّتُهُ؟
قال: حدّثنا العبّاسُ بنُ يزِيد العبدِيُّ وإِيّاك عنِ ابنِ عُيينة، عنِ ابنِ عَجْلان، قال: حدّثنا مُحمّدُ بنُ عَمرٍو، عن ملِيحِ بنِ عَبدِ اللهِ، عن أبِي هُريرة موقُوفا.
قال ابنُ عُيينة: فقدِم علينا مُحمّدُ بنُ عَمرٍو، فأتيتُهُ فسألتُهُ فحدّثنِي عن ملِيحِ بنِ عَبدِ اللهِ، عن أبِي هُريرة موقوفاً.
وقال أبُو زُرعة: هذا خطأٌ، إنما هو عنِ ابنِ عَجْلان عن مُحمّدِ بنِ عَمرٍو عن ملِيحٍ عن أبِي هُريرة، موقُوفاً.
قال أبِي: فلو كان عِند ابنِ عَجْلان عن أبِيهِ عن أبِي هُريرة لم يُحدِّث عن مُحمّدِ بنِ عَمرٍو، عن ملِيحٍ، عن أبِي هُريرة).
2 - قال ابن أبي حاتم في (العلل) (1222): (وسألتُ أبِي عَن حدِيثٍ رواهُ صدقةُ بنُ عَبدِ اللهِ السّمِينُ أبُو مُعاوِية عن مُحمّدِ بنِ المُنكدِرِ، قال: قُلتُ: أنت أحللت لِلولِيدِ بنِ يزِيد امرأتهُ أُمّ سلمة؟ قُلتُ: أنا، لكِن حدّثنِي جابِرُ بنُ عَبدِ اللهِ، عنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: لا طلاق قبل نِكاحٍ.
قال أبِي: هذا خطأٌ، والصّحِيحُ ما رواهُ الثّورِيُّ، عن مُحمّدِ بنِ المُنكدِرِ، قال: حدّثنِي من سمِع طاوُساً.
قال أبِي: فلو كان سمِع مِن جابِرٍ لم يُحدِّث عن رجُلٍ، عن طاوُسٍ مُرسلاً).
3 - قال ابن أبي حاتم في (العلل) (376): (وسألتُ أبِي عَن حدِيثٍ رواهُ إِسحاقُ الأزرقِ عن شرِيكٍ عن بيانٍ عن قيسٍ عنِ المُغِيرةِ بنِ شُعبة عنِ النّبِيِّ [صلى الله عليه وسلم]، أنّهُ قال: أبرِدُوا بِالظُّهرِ.
¥