جزاكم الله الفردوس الأعلى
ـ[أبو محمد السوري]ــــــــ[24 - 03 - 09, 10:26 ص]ـ
الحمد لله رب العالمين00والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أمَّا بعد:
إتماماً للفائدة، أنقل إليكم إخوتي - في هذا المنتدى الطيب المبارك - ما كتبه العلامة ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى في شرحه على العلل الصغير للترمذي، حيث فال ما نصه:
" المسألة الثانية: الرواية عن الضعفاء
من أهل التهمة بالكذب والغفلة وكثرة الغلط
وقد ذكر الترمذي للعلماء في ذلك قولين:
أحدهما: جواز الرواية عنهم حكاه عن سفيان الثوري، لكن كلامه في روايته عن الكلبي يدل على أنه لم يكن يحدث إلا بما يعرف أنه صدق.
والثاني: الامتناع من ذلك، ذكره عن أبي عوانة وابن المبارك، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل الحديث من الأئمة.
وقد ذكر الحاكم المذهب الأول عن مالك والشافعي أبي حنيفة، واعتمد في حكايته عن مالك على روايته عن عبد الكريم أبي أمية، ولكن قد ذكرنا عذره في روايته عنه، وفي حكايته عن الشافعي على روايته عن إبراهيم بن أبي يحيى، وأبي داود سليمان بن عمرو النخعي، وغيرهما من المجروحين، وفي حكايته عن أبي حنيفة على روايته عن جابر الجعفي وأبي العطوف الجزري.
قال: وحدث أبو يوسف ومحمد بن الحسن عن الحسن بن عمارة وعبد الله بن محرر وغيرهما من المجروحين.
قال: وكذلك من بعدهم من أئمة المسلمين قرناً بعد قرن، وعصراً بعد عصر إلى عصرنا هذا، لم يخل حديث إمام من أئمة الفريقين عن مطعون فيه المحدثين.
وللأئمة في ذاك غرض ظاهر:
وهو أن يعرفوا الحديث من أين مخرجه، والمنفرد به عدل أو مجروح. ثم روى بإسناده عن الأثرم قال: ((رأى أحمد بن حنبل يحيى بن معين بصنعاء يكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس، فإذا اطلع عليه إنسان كتمه، فقال له أحمد: تكتب صحيفة معمر عن أبان وتعلم أنها موضوعة!؟ فلو قال لك قائل: أنت تتكلم في أبان ثم تكتب حديثه على الوجه!؟)).
فقال: ((رحمك الله يا أبا عبد الله، أكتب هذه الصحيفة عن عبد الرزاق عن معمر على الوجه فأحفظها كلها وأعلم أنه موضوعة، حتى لا يجئ بعده إنسان فيجعل بدل أبان ثابتاً، ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس، فأقول له: كذبت! إنما هي عن معمر عن أبان لا عن ثابت)).
وذكر أيضاً من طريق أحمد بن علي الأبار قال: قال يحيى ابن معين: ((كتبنا عن الكذابين وسجرنا به التنور وأخرجنا به خبزاً نضيجاً)).
وخرّج العقيلي من طريق أبي غسان قال: ((جاءني علي بن المديني فكتب عن عبد السلام بن حرب أحاديث إسحاق ابن أبي فروه، فقلت: أي شئ تصنع بها؟ قال: أعرفها حتى لا تقلب)).
قلت: فرق بين كتابة حديث وبين روايته:
فإن الأئمة كتبوا أحاديث الضعفاء لمعرفتها ولم يرووها، كما قال يحيى: سجرنا بها التنور، وكذلك أحمد (خرق حديث خلق ممن كتب حديثهم ولم يحدث به، وأسقط من المسند حديث خلق من المتروكين) لم يخرجه فيه مثل قايد أبي الورقاء وكثير ابن عبد الله المزني وأبان بن أبي عياش وغيرهم، وكان يحدث عمن دونهم في الضعف.
قال في رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ: ((قد يحتاج الرجل يحدث عن الضعيف مثل عمرو بن مرزوق، وعمرو بن حكام، ومحمد بن معاوية، وعلي بن الجعد، وإسحاق بن أبي إسرائيل، ولا يعجبني أن يحدث عن بعضهم)).
وقال في روايته أيضاً – وقد سأله ترى أن تكتب الحديث المنكر؟ - إليهم في وقت))، كأنه لم ير بالكتابة عنهم بأساً.
وقال – في رواية ابن القاسم -: ((ابن ليهعة ما كان حديثه بذاك، وما أكتب حديثه إلا للاعتبار والاستدلال، إنما قد أكتب حديث الرجل كأني استدل به مع حديث غيره يشده لا أنه حجة إذا انفرد)).
وقال في رواية المروذي: ((كنت لا أكتب حديث جابر الجعفي (ثم كتبته أعتبر به).
وقال في – رواية مهنا وسأله لمَ تكتب حديث أبي بكر بن أبي كريم وهو ضعيف – قال: ((أعرفه)).
وقال محمد بن رافع النيسابوري: ((رأيت أحمد بين يدي يزيد ابن هاترون وفي يده كتاب لزهير عن جابر الجعفي وهو يكتبه، قلت: يا أبا عبد الله: تنهونا عن جابر وتكتبوه؟! قال: نعرفه)).
وكذا قال] أحمد [في حديث عبيد الله الوصافي: ((إنما أكتبه للمعرفة)).
والذي يتبين من عمل الإمام أحمد وكلامه أنه يترك الرواية عن المتهمين [والذين غلب عليهم الخطأ] للغفلة وسوء الحفظ، ويحدث عمن دونهم في الضعف، مثل من في حفظه شئ أو يتختلف الناس في تضعيفه وتوثيقه.
وكذلك كان أبو زرعة الرازي يفعل.
وأما الذين كتبوا حديث الكذابين – من أهل المعرفة والحفظ – فإنما كتبوه لمعرفته، وهذا كما ذكروا أحاديثهم في كتب الجرح والتعديل.
ويقول بعضهم في كثير من أحاديثهم: لا يجوز ذكرها إلا ليبيّن أمرها أو معنى ذلك.
وقد سبق عن أبي حاتم أنه يجوز رواية حديث من كثرت غفلته في غير الأحكام، وأما رواية أهل التهمة بالكذب فلا تجوز إلا مع بيان حاله، وهذا هو الصحيح، والله أعلم "0
أخوكم من بلاد الشام
أبو محمد السوري