وقولها (فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي) لا يلزم منه أنّه جلس على فراشها معها، وليس فيه بيان لمجلسها من حيث القرب والبعد، بل قولها لخالد (كَمَجْلِسِكَ مِنِّي) يُشعر بالبعد لأنَّ خَالِد بْن ذَكْوَانَ ليس محرماً لها، فلا بدَّ أنْ يكون مجلسه منها بعيداً، والله أعلم.
نعم الحَدِيثُ يدل على جواز إعلان النكاح بالدف وبالغناء المباح، وفيه إقبال الإمام إلى العرس وإنْ كانَ فيه لهو ما لم يخرج عن حد المباح ()، قَالَ العيني عند ذكره فوائد الحَدِيث: ((وفي الحَدِيث فوائد .. ومنها الضرب بالدف في العرس بحضرة شارع الملة ومبين الحل من الحرمة، وإعلان النكاح بالدف والغناء المباح فرقا بينه وبين ما يستتر به من السفاح)) ().
2 - حَدِيثُ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ? قَالَ: فَخَلا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ? وَقَالَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ)) ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وفي لفظ للبخاري: ((مَعَهَا أَوْلادٌ لَهَا))، وفي لفظ للبخاري أيضاً: ((وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَكَلَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ ?)) ().
والجواب عن الحَدِيث في تبويب البخاريّ على الحَدِيث فقد ترجم له بقوله: ((باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس)).
قَالَ المهلبُ: ((لم يرد أنسٌ أنه خَلا بها بحيثُ غَابَ عَنْ أبصار من كان معه، وإنما خلا بها بحيث لا يسمع من حضر شكواها، ولا ما دار بينهما من الكلام، ولهذا سمع أنس آخر الكلام فنقله ولم ينقل ما دار بينهما لأنه لم يسمعه)) ().
قَالَ النَّوَوِيّ: ((جاءتْ امرأةٌ إلى رسول الله ? فخلا بها هذه المرأةُ إمَّا محرمٌ له كأُمّ سُلَيْم وأختها، وإما المراد بالخلوة أنها سألته سؤالا خفيا بحضرة ناس ولم تكن خلوة مطلقة وهي الخلوة المنهي عنها)) ()، والجوابُ الثاني هو المتعينُ كما يدلُ على ذلكَ سياق الحديث.
ونحو هذا الحَدِيث حَدِيث ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ: يَا أُمَّ فُلانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ فَخَلا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا ().
قَالَ النَّوَوِيّ: ((خَلا معها في بعضِ الطرق: أي وَقَفَ مَعَها في طريق مسلوك ليقضي حاجتها ويفتيها في الخلوة ولم يكن ذلك من الخلوة بالأجنبية فإنَّ هذا كان في ممر الناس ومشاهدتهم إياه وإياها، لكن لا يسمعون كلامها لأنَّ مسألتها مما لا يظهره، والله أعلم)) ().
3 - حَدِيثُ () سَالِمِ بْنِ سَرْجٍ أبي النُّعْمَانِ قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ صُبَيَّةَ الْجُهَنِيَّةِ تَقُولُ: رُبَّمَا اخْتَلَفَتْ يَدِي وَيَدُ رَسُولِ اللَّهِ ? فِي الْوُضُوءِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ ().
قَالَ ابنُ مَاجَةَ بعد روايته الحَدِيث: ((سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: أُمُّ صُبَيَّةَ هِيَ خَوْلَةُ بِنْتُ قَيْسٍ، فَذَكَرْتُ لأَبِي زُرْعَةَ فَقَالَ: صَدَقَ)).
قلتُ: ليسَ في الحَدِيثِ دلالة على الخلوة أو النظر أو المس، فربما يوضع إناء خاص للوضوء في مكان عام فتتوضأ منه المرأة والرجل من دون خلوة أو مسيس، وهذا بين لمن عرف طبيعة حياتهم، وحال عيشهم في ذلك الزمان، وتأمل المقدمة الثالثة من المقدمات العامة المذكورة سابقاً.
قَالَ مُغْلطاي: ((وأعترض بعضهم على صحة هذا الحَدِيث بكونه عليه السلام لم يمس امرأة لا تحل له، قَالَ: وخولة هذه لم يأت في خبر صحيح ولا غيره أنها كانت بهذه الصفة. وفي الذي قاله نظرٌ؛ وذلك من قولها "تختلف" لأنّ الاختلاف لا يوجب مساً، الثاني: لا يرفع صحة الحَدِيث لتخيل معارضة إذا عُدلتْ رواته، وسَلِمَ من شائبة الانقطاع)) ().
وَقَالَ ابن حَجَر: ((ومعنى تختلف أنه كان يغترف تارة قبلها، وتغترف هي تارة قبله)) ().
¥