ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[16 - 09 - 06, 08:15 م]ـ

المطلب الثاني: بيان مفهوم لفظ "الحسن" عند الشافعي

إنَّ بيان مفهوم الخبر الحسن عند الشافعي أو عند أي إمام من الأئمة لا بد أن يناقش فيه أمران مهمان: الأول هل كان يطلق على المقبول أم على المردود أم على كليهما؟ ثم في كل الأحوال ما هو الوصف الذاتي المقتضي للحسن؟ فإن كان يطلقها مثلا على المقبول فلماذا فرق بينه وبين الصحيح، وإن كان مردوداً فلِمَ فرق بينه وبين الضعيف وإن أطلقه على المقبول والمردود معا فما فائدة هذا الوصف إن لم يكن القبول والرد؟

الفرع الأول: المنقول عن الشافعي وغيره من الأئمة المتقدمين

من الناس من حمل كلام الأئمة المتقدمين جميعا على الاصطلاح الحادث بمعنييه (12) ولا شك أن هذا غير جائز إلا بعد إثبات ذلك بالاستقراء والتتبع والدراسة المتأنية لكلام كل إمام بمفرده، أما حمل كلام المتقدمين على اصطلاحات المتأخرين من دون ذلك فغلط واضح.

وقد وجد من أطلق وصف الحسن وأراد غرابة الإسناد وانفراد رواته، ولهذا أطلقه على المقبول والمردود، ووجد من أطلقه على غير الاصطلاح وأراد المعنى اللغوي أو حسن المتن وذلك عند المتقدمين والمتأخرين أيضا، ووجد غير هذا (13).

وقد نقل الحافظ العراقي عن الشافعي إطلاق الحسن، وظاهر كلامه أن الشافعي يريد به الحسن الاصطلاحي الذي توصل إليه ابن الصلاح (14).

أما الحافظ ابن حجر فقال: «لكن منهم من يريد بإطلاق ذلك المعنى الاصطلاحي، ومنهم من لا يريده. أما ما وجد في عبارة الشافعي ومن قبله، بل في عبارة أحمد بن حنبل فلم يتبين لي منهم إرادة المعنى الاصطلاحي، بل ظاهر عبارتهم خلاف ذلك؛ فإن حكم الشافعي على حديث ابن عمر رضي الله عنهما في استقبال بيت المقدس حال قضاء الحاجة بكونه حسنا خلاف الاصطلاح، بل هو صحيح متفق على صحته. وكذا قال الشافعي رضي الله عنه في حديث منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود في السهو» (15).

ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[16 - 09 - 06, 08:16 م]ـ

الفرع الثاني: توضيح هذا اللفظ في مصطلح الشافعي

إن الجزم بما أراد الشافعي بهذا اللفظ الذي قلَّ استعماله له صعب جداً، ومع ذلك هذه كلمات أقولها وآراء أدلي بها، وقد كلفنا الحكم بغلبة الظن.

أولا: كل الأحاديث التي وصفها الشافعي رحمه الله تعالى بالحسن صححها وأثبتها، فمنها ما قبِل لعدم المعارض ومنها ما ردَّ لا لعدم ثبوتها عنده، ولكن لكونها مرجوحة ومنسوخة أو متأولة. قال الشافعي عن أحد الأحاديث التي ردَّ: «أما الحديث الآخر فحسن الإسناد لو كان منفرداً ثبت والذي يخالفه أكثر وأثبت» وقال عن الثاني: «فإن كان شيء من هذه الأحاديث ثبت، فقد روي عن النبي ? نسخه». ويشكل على ما قررته حكمه على أحاديث الحارث بن عبد الرحمن بالحسن مع أنه قال: «لا أدري أكان يحفظ أولا». فيبقى هنا مجال للتأمل.

ثانيا: اعتراض ابن حجر على كلام الشافعي بأنه على غير المعنى الاصطلاحي بأن حديث ابن عمر وابن مسعود المذكورين متفق عليهما صحة بإخراج البخاري ومسلم اعتراض غير وجيه. ففي الصحيحين أحاديث لم تبلغ الشافعي بأسانيد صحيحة فردَّها أو توقف عن الأخذ بها إلى أن تصح كأحاديث الصيام عن الميت (16).

ولو فرضنا إطلاقه الحسن على أحاديث أدخلها من صنف الصحيح بعده في كتبهم بنفس أسانيد الشافعي. فلا اعتراض عليه من جهتين:

-أن أكثر هؤلاء المصنفين -إن لم يكونوا جميعهم- يدخلون رواية من خف ضبطه في الصحيح.

-وأن من يكون عند الشافعي خفيف الضبط قد يكون عند البخاري ثقة ثبتا أو عند الإمام مسلم.

ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[16 - 09 - 06, 08:17 م]ـ

المبحث الثاني: حجية الحديث الحسن الاصطلاحي عند الشافعي

بغض النظر عما أراد الشافعي بلفظ الحسن الذي جرى على لسانه، أبحث الآن في الحسن الاصطلاحي أعني الحسن لذاته -أي رواية من خف ضبطه- والحسن لغيره -أي رواية الضعيف المنجبر- هل كان يحتج بهما أم لا؟

المطلب الأول: حجية الحسن لذاته عند الشافعي

الذي يظهر لي أن الشافعي مثله مثل الأئمة الذين كانوا يحتجون بالحسن كما كانوا يحتجون بالصحيح، وربما أطلقوا على كلا النوعين اسم الصحيح وأطلقوا عليهما اسم الثابت.

وطبعا لن أذهب إلى أحاديث حسنها بعض الأئمة المتأخرين لأبحث هل احتج بها الشافعي أم لا؟ وكذلك لن أنظر في رواية من قال فيهم ابن حجر أو غيره: «صدوق» لأنظر هل رد الشافعي روايتهم أم قبلها؟ فيدل ذلك على موقفه من الحسن ‍‍‍ ‍ ‍‍‍‍. وإنما الطريق الصواب أن ينظر في الرواة الذين وثقهم الشافعي نفسه توثيقا خفيفا، ثم يُبحث عن أحاديثهم، هل اعتمد عليها أم لا؟ وأكتفي هنا بهذا المثال: فقد وثق بعض الرواة بقوله: «ثقة»، ولما تكلم عن أسامة بن زيد الليثي قال: «لا بأس به» (17)، فهذه عبارة لا شك في إفادتها التوثيق ولا شك أنها دون لفظ الثقة، وقد احتج به في عدة مواضع في كتابه الأم (18). وقال أيضا: «وأهل الحديث متباينون، فمنهم المعروف بعلم الحديث… وطول مجالسة أهل التنازع فيه، ومن كان هكذا كان مقدما في الحديث، إن خالفه من يقصر عنه كان أولى أن يقبل حديثه ممن خالفه .. » (19). وقال عن تشهد ابن عباس: «فكان هذا الذي علمنا من سبقنا بالعلم من فقهائنا صغارا، ثم سمعناه بإسناده وسمعنا ما يخالفه، فلم نسمع إسناداً في التشهد يخالفه ولا يوافقه أثبت عندنا منه وإن كان غيره ثابتا» (20)، وإذا كان غالب الظن أن الحسن المذكور على لسان الشافعي هو فيما صح عنده أو كان ظاهره الصحة فما عَدَل عن عبارة التصحيح إلا لشيء يفيد التفاوت في درجة الإسناد وهو ضبط الرواة.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015