وذهب أبو بكر البرديجي وغيره إلى أن الإسناد المؤنن ليس له حكم الإسناد المعنعن، وإنما هو محمول على الانقطاع حتى يتبيّن اتصاله من وجه آخر (6).

قال ابن عبد البر: " فجمهور أهلب العلم على أن " عن " و " أن " سواء، وأن الاعتبار ليس بالحروف وإنما هو باللقاء والمجالسة والسماع والمشاهدة، فإذا كان سماع بعضهم من بعض صحيحاً، كان حديث بعضهم عن بعض أبداً بأي لفظ ورد محمولاً على الاتصال، حتى يتبين فيه علة الانقطاع " (7).

ولكن جاء عن الإمام أحمد بن حنبل، ويعقوب بين شيبة وغيرهما من أئمة الحديث التفريق بين الإسناد المعنعن والمؤنن، على تفصيل في ذلك، وبيانه:

1 - أن الراوي إذا قال: " أن فلاناً قال كذا "، كأن يقول التابعي أن ابن عمر رضي الله عنه، قال: سمعت كذا. فهو مثل قوله: عن ابن عمر أنه قال: سمعت كذا.

فهذا إذا كان خبرُ أنّ قولا، وكان الراوي أدرك من روى عنه، أصبح حكمها كحكم " عن ".

2 - وإذا كان خبر " أن " فعلا، ففيه تفصيل:

إن كان الراوي أدرك تلك الحادثة، فلأن هنا حكم " عن ".

وإن كان الراوي لم يدرك ذلك، نحو قول عروة، أن عائشة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن عائشة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم، فهذا الذي فرق فيه الإمام أحمد وغيره بين " أن " و " عن "، واعتبروها إرسالاً (8).

قال ابن رجب: " والحفاظ كثيراً ما يذكرون مثل هذا ويعدونه اختلافاً في إرسال الحديث واتصاله، وهو موجود كثيراً في كلام أحمد، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والدارقطني، وغيرهم من الأئمة. ومن الناس من يقول: هما سواء –كما ذكر ذلك لأحمد -، وهذا إنما يكون فيمن اشتهر بالرواية عن المحكي قصته، كعروة عن عائشة، أما من لم يعرف له سماع منه فلا ينبغي أن يحمل على الاتصال، ولا عند من يكتفي بإمكان اللقي " (9).

وقال ابن رجب أيضاً: " وقد ذكر الإسماعيلي في صحيحه أن المتقدمين كانوا لا يفرقون بين هاتين العبارتين، وكذلك ذكر أحمد أيضاً، أنهم كانوا يتساهلون في ذلك، مع قوله إنهما ليسا سواء، وإن حكمهما مختلف، لكن ك ان يقع ذلك منهم أحياناً على وجه التسامح، وعدم التحرير " (10).

ويلتحق بالإسناد المعنعن والمؤنن، قول الراوي:

" قال فلان كذا وكذا "، و " ذكر فلان "، و " فعل فلان "، و " حدّث فلان "، و " كان فلان يقول كذا وكذا "، ونحو ذلك.

فكل ذلك محمول على الاتصال على التفصيل المتقدم (11).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015