وقال أحمد أيضا: (حدث عبد الرزاق عن معمر أحاديث لم يسمعها ابن المبارك وحدث ابن المبارك أيضا بشيء لم يسمعه عبد الرزاق). (4)

وسأل عبدالله بن أحمد أباه عن حديث للأعمش فأجابه، ثم قال أبو معاوية ببغداد ن وكان يحيى ربما فاته الشيء). (5)

ومن نظر في كلام النقاد على أصحاب الرواة المكثرين، كنافع، والزهري، وقتادة، وشعبة وغيرهم .. أدرك بسهولة تفاوتهم في مقدار ما يروونه عنهم، ويظهر ذك أيضا في رواية بعضهم عن بعض ما فاته عن الشيخ.

# وإنما يستنكر بداهة أن يروي ثقة ليس من أصحاب الراوي المعروفين بالكثرة والتثبت فيه، فينفرد عن الجميع بشيء يرويه عنه.

ومن هذا الباب قول صالح بن محمد البغدادي الحافظ وقد سئل عن عبدالرحمن بن أبي الزناد (قد روى عن أبيه أشياء لم يروها غيره، وتكلم فيه مالك بن أنس بسبب روايته كتاب (السبعة) عن أبيه، وقال أين كنا نحن من هذا). (6)

وروى قران بن تمام، عن أيمن بن نابل، عن قدامة بن العمري (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت يستلم الحجر بمحجنه) (7)، قال أبو حاتم (لم يرو يرو هذا الحديث عن أيمن إلا قران، ولا أراه محفوظا، أين كان أصحاب أيمن بن نابل عن هذا الحديث؟). (8)

وروى برد بن سنان عن الزهري عن عروة عن عائشة (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى، والباب مغلق عليه، فجئت فاستفتحت ... ) الحديث (9)، سئل عنه أبوحاتم فقال (لم يرو هذا الحديث أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم غير برد، وهو حديث منكر، ليس يحتمل الزهري مثل هذا الحديث وكان برد يرى القدر). (10)

وبرد هذا وثقه الأئمة ولكنه ليس من أصحاب الزهري، ولذا قال الجوزجاني بعد كلامه عن أصحاب الزهري المعروفين: (قوم رووا عن الزهري قليلا، أشياء يقع في قلب المتوسع في حديث الزهري أنها غير محفوظة، منهم برد بن سنان، وروح بن جناح وغيرهما). (11)

وتعرض الذهبي أيضا لبعض الضوابط في التفرد، وأنقل كلامه بطوله أيضا، قال (فمثلُ يحيى القطان، يقال فيه: إمامُ، وحُجَّة، وثَبْت، وجِهْبِذ، وثِقَةُ ثِقَة،ثم ثقةُ حافظ، ثم ثقةُ مُتقن ثم ثقةُ عارف، وحافظُ صدوق، ونحوُ ذلك

فهؤلاء الحُفَّاظُ الثقات، إذا انفرد الرجلُ منهم من التابعين، فحديثهُصحيح. وإن كان من الأتباعِ قيل: صحيح غريب. وإن كان من أصحاب الأتباع قيل: غريبُ فَرْد. ويَنْدُرُ تفرُّدهم، فتجدُ الإمامَ منهم عندهَ مِئتا ألف حديث، لا يكادُ ينفرد بحديثينِ ثلاثة. ومن كان بعدَهم فأين ما يَنفرِدُ به، ما علمتهُ، وقد يوُجَد.

ثم نَنْتَقِلُ إلى اليَقِظ الثقةِ المتوسِطِ المعرفةِ والطلب، فهو الذي يُطلَقُ عليه أنه ثقة، وهم جُمهورُ رجالِ ((الصحيحين)) فتابِعِيُّهم، إذا انفَرَد بالمَتْن خُرَّج حديثهُ ذلك في (الصحاح).

وقد يَتوقَّفُ كثيرُ من النُّقاَّد في إطلاق (الغرابة) مع (الصحة)، في حديثِ أتباعِ الثقات. وقد يُوجَدُ بعضُ ذلك في (الصحاح) دون بعض. وقد يُسمِّي جماعةٌ من الحفاظ الحديثَ الذي ينفرد به مثلُ هُشَيْم،

وحفصِ بنِ غِياثٍ: منكراً

فإن كان المنفرد من طبقة مشيخة الأئمة، أطلقوا النكارةَ على ما انفرد مثلُ عثمان بن أبي شيبة، وأبي سَلَمة التَّبُوْذَكِي، وقالوا: هذا منكر.). (12)

فقسم الذهبي الثقات إلى قسمين:

الثقات الحفاظ وهم الذين عرفوا بالحفظ والاتقان وندرة الخطأ، فهؤلاء يقبل تفرد التابعين منهم عن الصحابة وتفرد تابعي التابعين عن التابعين.

والقسم الثاني هم من الثقات، وهم جماعة يوصف الواحد منهم بلأنه ثقة، لكن ليس من الحفاظ المتقنين، وهم مع ذلك متوسطو المعرفة، أي المعرفة بنقد الحديث، فلا يؤمن أن يخطيء الواحد منهم، ولا ينتبه لذلك فهؤلاء يقبل تفرد التابعين منهم عن الصحابة ويتوقف في ما عدا ذلك.

فيلاحظ أن الذهبي سبر كلام الأئمة في استنكار ما يتفرد به الثقة فوجدهم يراعون أمرين:

1 - قوة الراوي واشتهاره بالحفظ والضبط، فلا شك أن هذا يجبر ما يقع منه من تفرد، ومن هذا الباب قول مسلم (للزهري نحو تسعين حديثا يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيه أحد، بأسانيد جياد). (13)

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015