ثم دونها قوله - على خبر -: ((حسن غريب))، ويعني بهذه العبارة - في الغالب - أن متن الحديث سليم من الشذوذ والنكارة والغرابة، لكن سند الحديث فيه شيء من غرابة ونكارة وإشكال. وقد تُعل غرابة السندِ الحديثَ وتَرُدّه.
وإذا أطلق الترمذي على حديث قوله: ((غريب))، فإنه يريد بها: أن هذا الحديث فيه ضعف أشد مما يضعفه بقوله: ((حسن غريب))، أو قوله: ((حسن)) مجرداً - كما تقدم -، فهو يطلق لفظ ((غريب)) ويَنُصُّ على علته في الأحيان.
ومن ذلك: ما أخرجه - في " سننه " – من طريق يحيى بن اليمان، عن شيخ، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن طلحة بن عبيد الله مرفوعاً: ((لكل نبي رفيق، ورفيقي في الجنة عثمان)) (8).
وهذا حديث ضعيف جداً.
قال الترمذي - عقب إخراجه له -: ((غريب، ليس إسناده بالقوي، وهو منقطع)).
ومن ذلك: ما أخرجه من طريق خارجه بن مصعب، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن عتي بن ضمرة، عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن للوضوء شيطانا يقال له: الولهان، فاتقوا وسواس الماء)) (9).
قال الترمذي - بعد إخراجه -: ((حديث غريب، وليس إسناده بالقوي، لا نعلم أحداً أسنده غير خارجه، ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء)).
ومن ذلك: ما أخرجه - في " سننه " - من طريق أم الأسود، عن منية بنت عبيد بن أبي برزة، عن أبي برزة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من عزى ثكلى، كسي بردا في الجنة)) (10).
قال الإمام الترمذي - عقب إيراده -: ((حديث غريب، وليس إسناده بالقوي)).
وقول الترمذي: ((حسن غريب))، يعني: ضعفاً أقل من ذلك، وأشد من تضعيف الخبر بقوله: ((حسن))، وقد ينص الترمذي على علة الحديث مع هذا.
ومن ذلك: ما أخرجه: من طريق عمر بن عبد الله مولى غفرة، عن إبراهيم بن محمد، عن علي بن أبي طالب - في حديث طويل - ذكر فيه صفة النبي صلى الله عليه وسلم الخَلقية والخُلقية (11).
قال الترمذي - عقبه -: ((حسن غريب، ليس إسناده بمتصل)).
ومن ذلك: ما أخرجه من طريق خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن إسحاق بن عمر، عن عائشة قالت: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة لوقتها الآخر مرتين حتى قبضه الله (12)
قال الترمذي - عقب إخراجه له -: ((حسن غريب، وليس إسناده بمتصل)).
هذا في الغالب يريد به ضعفاً أشد مما ذكرناه في القسم الثاني، وربما أراد به ضعفاً يقبل المتابعة، فقد يريد الترمذي بقوله: ((حسن غريب)) أي: ليس بشديد الضعف، كما أخرج - في " سننه " - من طريق سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن حميد، عن أنس: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة طاهراً وغير طاهر، قال حميد الطويل: قلت لأنس: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: كنا نتوضأ وضوءا واحداً) (13).
قال الترمذي - عقب إخراجه من هذا الوجه -: ((حديث حميد عن أنس: حديث حسن غريب من هذا الوجه)).
لكنه جوّده لما أخرج له متابعاً من سفيان عن عمرو بن عامر عن أنس بنحو حديث حميد (14).
قال الترمذي - بعد إخراج هذا المتابع -: ((حديث حسن صحيح، وحديث حميد عن أنس: حديث جيد غريب حسن)).
فجوّده بعد ذكر متابع له، بعد أن ضعفه في موضع قبله.
القسم الرابع:
وقد أدخلته في الذي قبله، وذلك لقلة وروده في " سنن الترمذي "، وهي: المناكير جداً والبواطيل، ويطلق عليه الترمذي: ((هذا حديث منكر))، وفي بعض الأحيان يقول: ((حديث لا يصح)).
وهذه ألفاظ معدودة أطلقها على ما ينكر ويُعد في البواطيل والمنكرات، وهو أشد الأقسام ضعفاً، وهي في مواضع قليلة منثورة في " السنن "، وهي أقل الأقسام وروداً في " السنن ".
هذه في الجملة ملخص اصطلاحات الترمذي ـ عليه رحمة الله ـ، وهذا أَغْلَبي، وربما غاير في بعض هذا الاستعمالات، وهناك ألفاظ أُخَر قليلة الاستعمال عنده، وهذا بحاجة إلى تفصيل أكثر يسّر الله ذلك.
... ((انتهى)) ...
[انظر: شرح حديث جابر الطويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم (ص 71 – 81)]
والله أعلى وأعلم،،،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين،،،