ويُلاحظ في هذا أن تسمية الراوي لم تكن من الراوي عنه، وأنه سُمِّي (عبيد بن يحيى)، وهذا مغايرٌ لرواية اثنين من الرواة عنه مباشرةً بأنه (ابن زياد)، وقد تنبَّه ابن عساكر لذلك؛ فترجم ترجمةً أخرى لعبيد بن يحيى، وأحال إلى ترجمة عبيد بن زياد ([10] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=40#_ftn10)).
ثم التوثيق المحكيُّ في هذا الراوي منسوبٌ إلى غير معلوم، وليس بخافٍ أن الجرح والتعديل لا يُقبل إلا من نقَّاده وعلمائه المشهود لهم بالفهم والتقدُّم فيه، وليس من هذا شيءٌ هنا.
وأما صاحب هذه الرواية؛ فقد أسند ابن عساكر -عقب ما سبق- وجادةً فيها أن محمد بن يوسف بن بشر الهروي قال: أخبرني محمد بن عوف بن سفيان الطائي ([11] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=40#_ftn11))، قال: «عبيد بن زياد الأوزاعي الذي روى عنه الهقل؛ سألت عنه بدمشق، فلم يعرفوه». قال الهروي: قلت له: فالحديث الذي روى؛ هو منكر؟ قال لي: «لا، ما هو منكر؛ ما يُنكَر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن يكون قال: «اللهم أمِتني مسكينًا ... »» ([12] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=40#_ftn12)).
وإن صحَّ هذا عن محمد بن عوف؛ ففيه ثلاثة أمور:
أحدها: إثبات جهالة عبيد بن زياد، حتى إن أهل بلده من النقاد -الذي يُظَنُّ بمحمد بن عوف أن يسألهم عنه- لم يعرفوه، وهذا يدلُّ على أنه مجهولُ عين، وجهالة العين أشدُّ من جهالة الحال.
ثانيها: أن عبيد بن زياد يُعرف بهذا الحديث، وإذا ذُكر ما حدَّث به انصرف الذهن إليه، وهذا قد يُشكل على من سوَّى بينه وبين الذي روى عنه إسرائيل بن يونس، وروى عن سالم بن عبدالله بن عمر.
ثالثها: نفي محمد بن عوف النكارة عن الحديث، وهذا محلُّ بحث؛ فإنه إن أراد النكارة صناعةً حديثيةً إسنادية -وفي هذا بُعد-؛ ففي ذلك نظر؛ إذ انفراد هذا المجهول عن جنادة بهذا الحديث منكر، وحديث جنادة معروفٌ في أهل الشام، مخرَّجٌ في الصحيح، ولا يُقبل من المجاهيل الانفرادُ عنه، بل ربما أفاد تفرُّد هذا الراوي بالحديث -مع أنه حديثه الواحد- ضعفَه؛ لأن من علامة الثقة أن يُشارك الثقات، وألاّ ينفرد أو يشذّ أو يخالف.
لكن الظاهر أن محمد بن عوف أراد نفي النكارة المعنوية، وهذا بيِّنٌ من سياق كلامه؛ حيث قال: «ما يُنكَر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن يكون قال: «اللهم أمِتني مسكينًا ... »»، وهذا واضحٌ في أن المراد: أن المعنى ليس فيه ما يُنكَر، وأنه لو صحَّ الإسناد؛ فلا نكارة في المتن.
والإسناد لم يصح، بل هو منكرٌ -كما سبق بيانه-.
قال الشيخ الألباني -رحمه الله-: «وهذا سندٌ رجاله ثقات معروفون غير عبيد بن زياد الأوزاعي, فلم أجد له ترجمةً في شيء من كتب الرجال التي وقفت عليها ... »، ثم نقل كلام ابن عساكر السابق، ثم قال: «وجملة القول أن عبيد بن زياد الأوزاعي ينبغي أن يُعدَّ فى جملة المجهولين؛ إذ إنه -مع إغفالهم الترجمة في كتب الرجال-؛ فليس فيما سبق عن ابن عساكر ما يُعتَدُّ به من التوثيق ... ، ومن ذلك تعلم ما في قول ابن الملقن ... : «ولا أعلم له علة»!» ([13] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=40#_ftn13)).